كان المسار التنظيمي لـ «التيار الوطني الحر» يسير وفق ما رُسم له في الرابية بعد «ليلة الانقلاب» على النظام الداخلي، حيث تمّ وضع جدول زمني للاستحقاق بكل تفرعاته الرئاسية والمناطقية، على أساس التعديلات التي تبنتها الهيئة التنفيذية وجرى ارسالها الى وزارة الداخلية.
كان المطلوب من هذه التعديلات أن تعيد صياغة مفهوم القيادة في حزب «التيار» في حلته التنظيمية الجديدة بعد أن يكتسب صفة مؤسسة حزبية ذات هيكلية واضحة ونظام محدد. بنتيجة هذا التحوّل، سوف ينتقل «التيار» من «حزب الشراكة والديموقراطية» الى «حزب الرئيس والقرار الواحد»، حتى لو تمّ تجميل الوضع من خلال انشاء هيئة سياسية يُنتخب ستة من أعضائها وتُولّى مهمة النظر بالقضايا الوطنية الكبرى وتأخذ قراراتها على طريقة الأكثرية اذا لم يتوفر الإجماع.
ومع أنّ هذه التعديلات أثارت موجة من الغضب في صفوف المعارضين كونها شكلت انقلاباً على الاتفاق الذي جرى التفاهم عليه مع الجنرال ميشال عون، وأرسل على أساسه النظام الداخلي مرفقاً بالعلم والخبر الى وزارة الداخلية، الا إنّ ذلك لم يحل دون اصرار الكل على بدء التحضيرات للقفز الى حلبة المنافسة بالورقة والقلم.
هكذا بدأت الاستعدادات الميدانية بين العونيين بعدما تأكد لهم أنّ قرار اجراء الانتخابات صار رسمياً وإن كانت الشكوك لم تغادر أذهان كثر منهم، وراح كل فريق يجهز عدته لخوض المعركة… الى أن حصل ما لم يكن متوقعاً. صحيح أنّ هناك من لمح الى احتمال حصول هذا السيناريو، ولكن حتى المبشرين به تركوا هامشاً لامكانية عدم حصول ذلك.
حين أرسلت التعديلات الى وزارة الداخلية، ظنّ أهل الرابية أنّ المسألة هي مجرد تبليغ جديد عن هذه التغييرات التي طالت النظام الداخلي، وبالتالي إنّ الأمر سيمرّ مرور الكرام على اعتبار أنّ العلم والخبر الذي يختصر أهداف الحزب، لم يمسّ. ولهذا، فإنّ الأمر هو مجرد اجراء روتيني لن يواجه اي عقبة قانونية.
لكن موقف الداخلية كان مختلفاً. إذ بنظر مديرية الشؤون السياسية واللاجئين، وهي صاحبة الاختصاص بالنظر في هذه القضايا والتقرير، فإنّ المسألة تتعدى الإبلاغ فقط، ولا يمكن لها أن تتعاطى مع التعديلات الطارئة على أنّها مجرد ملحق بالعلم والخبر كما ظنّ البعض، وذلك انطلاقاً من المبدأ القائل إنّ النظام الداخلي لأي حزب يتمّ إيداع العلم والخبر الذي يعود اليه، في وزارة الداخلية، ويتمّ التصديق على هذا العلم والخبر، فيصبح ساري المفعول، وتطبق أحكامه على وزارة الداخلية كما على حزبييه.
هذا يعني أنّ تعديل هذا النظام يكون من ضمن الآليات التي ينصّ عليها. وفي حالة «التيار الوطني الحر»، فإنّ «المجلس الوطني» هو الجهة المخولة اجراء أي تعديل على النظام الداخلي، بينما النسخة التي أودعت وزارة الداخلية مذيلة بتوقيع الهيئة التنفيذية، وهي طبعاً غير مخولة القيام بهذه المهمة.
وهذا ما اعتبرته مديرية الشؤون السياسية في وزارة الداخلية، مخالفاً للقانون كونه يخالف النظام الداخلي الذي على اساسه يدار التيار من الناحية الادارية والقانونية، ورأت أنّ التعديلات المرسلة من جانب الهيئة التنفيذية غير قابلة للتطبيق، لأنّ ما أتى في متن النظام الداخلي مغاير كلياً.
بالنتيجة، سيكون لهذا التطور الانقلابي مترتبات كثيرة، أبرزها:
– صار «التيار الوطني الحر» ملزماً بنص النظام الداخلي، بنسخته الأولى، وصار «كتابه» الذي لا يمكن له أن يحيد عنه أو أن يتجاهله، الا ضمن الأطر القانونية التي ينصّ عليها. وبالتالي إنّ مشروع التعديل لن يحصل الا بعد حصول الانتخابات الداخلية وتكوين المجلس الوطني لينظر هذا الأخير بالتعديلات المطلوبة.
– واستطراداً، يفترض أن تحصل الانتخابات وفق التعميم الذي أصدره العماد ميشال عون منذ يومين، على أساس النظام الداخلي المعمول به، وليس المعدل… أو تأجيلها لمرة جديدة، وهو أمر صار احتماله كبيراً، لأنّ العكس سيعرّض العملية الانتخابية للطعن وحتى للبطلان حكماً.
وفي مطلق الأحوال، سواء كانت التعديلات قانونية أم غير قانونية، قلبت النظام رأساً على عقب أم طارت منه، فإن المعترضين كانوا مصرّين على خوض الانتخابات وكأنها استفتاء حزبي يسمح بمعرفة مزاج القاعدة العونية وأي صيغة تريد أن تحتكم اليها