في حسابات المحكمة العسكرية، يوم الثلثاء أكثر من «دسم»، غالباً ما يُخصّص للملفات الكبيرة، الشائكة، المتداخلة، التي قد يصل عدد المتّهمين فيها إلى السبعين في الملف الواحد، معظمها بتهمة الإعتداء على الجيش، الإنتماء إلى تنظيم مسلح، وغيرها من الإرتكابات الإرهابية. ولكن ما زاد الثلثاء «دسامة»، مثول الإنتحاري عمر العاصي الذي حاول تفجير نفسه في مقهى «الكوستا»، أمام قاضي التحقيق العسكري الأوّل رياض أبو غيدا.
منذ الصباح، وصل عمر العاصي (25 سنة) المتهم بالتخطيط لتفجير «الكوستا»، مكبّل اليدين بالأصفاد، وسط تعزيزات أمنية مشدّدة من دون لفت إنتباه الحاضرين في بهو المحكمة. أتى مرتدياً جينزاً أزرق وقميصاً «كم طويل رقيقة» سوداء ورمادية، ومنتعلاً «مشّاية بإصبع».
لم يبدُ على وجه العاصي أيّ أثر لكدمات أو ضربات سوى شطب صغير في أعلى أنفه، فُكّت الأصفاد من يديه على عتبة باب قاضي التحقيق الأوّل في المحكمة العسكرية القاضي رياض أبو غيدا، وقرابة العاشرة بدأ التحقيق معه في حضور موكّل له هو العميد الدكتور المحامي أمين صليبا، الذي عيّنه أبو غيدا نظراً إلى عدم وجود محامٍ للمدّعى عليه.
كواليس التحقيق
إستمرَّ التحقيق أكثر من ساعتين ونصف الساعة، لم يتردَّد خلالها العاصي في البوح عما كان يخطِّط له.
في هذا السياق، يكشف مصدر مواكب للتحقيقات لـ«الجمهورية»، «أنّ العاصي تكلّم بطلاقة، عما كان يُعِدّ له، وأنه مقتنع بتنفيذه المخطط وتفجير نفسه، وغير نادم على المحاولة… كلامه يقشعرّ له البدن».
ويتابع المصدر: «بدا العاصي صريحاً، مرتاحاً في كلامه، غاص في تفاصيل إعترافاته السابقة، التي أكّد أنها لم تأتِ تحت الضغط، ولم يتعرّض للقساوة إلّا لحظة إطباق الأجهزة الأمنية عليه… ما نضربت كفّ إلّا وقتها».
وشكّك المصدر في صراحة العاصي والطبع الذي بدا فيه: «خلف صراحته التي أبداها وانفتاحه الذي أدهش القاضي، يبدو وكأنّ العاصي يُخفي شيئاً ما، هناك قطبة مخفية… وراء الأكمة ما وراءها… خصوصاً أنّه أنكر معرفته بهوية الشخص الذي سلّمه الحزام الناسف».
وعن طريقة وصوله إلى الحمرا، قال المصدر: «أتى بطرق ملتوية، تنقّل بالحزام «مش فارقا معو»، في أكثر من تكسي وربما بـ 3، وصل إلى مكان التفجير مرتاح البال». ويتابع المصدر: «في التحقيق معه، بدا العاصي relax، فقط قال إنه متضايق لوضعه في سجن إنفرادي».
ولم يخفِ المصدر إنطباعه الأوّلي، «كأن العاصي مدرَّب على ما يقوله في حال عدم نجاح مهمته، أو ضبطه، فقد حاول أكثر من مرة إبقاء مجموعة من النقاط مبهمة».
وعما إذا كان مقهى «الكوستا» الهدف أو مكان آخر، لذا تأخّر في تفجير نفسه، يوضح المصدر: «وفق اعترافات العاصي، كان المقهى هو الهدف بحدّ ذاته، وقد أعطى تبريرات غير مقنعة لتأخُّره في تفجير نفسه، كمعرفته أن أحد الموظفين من الطائفة السنّية، وعوامل أخرى مرّت في ذهنه أخّرته عن تنفيذ العملية، قبل أن تقبض عليه الأجهزة الأمنية».
ويُنهي المصدر كلامه، قائلاً: «كل ما يُمكن قوله إنّ الجيش أنقذ فعلاً لبنان ممّا لا يُحمد عقباه، فيما لو نجح العاصي في تنفيذ مخططه»، لافتاً إلى «أن العاصي عومل كضيف في المحكمة، ولم يتمّ التعرُّض له.
وأضاف المصدر: «إنتهى التحقيق مع العاصي من دون الحاجة لأيّ مواجهة أو مقابلته مع شخص آخر»، مشيراً إلى «أنّ محاولة العاصي، وإن كانت فاشلة، يُعاقب عليها بالعقوبة كما لو أنه ارتكب الجرم… وتبقى النتيجة في ما قد يحمله القرار الظني عن القاضي أبو غيدا، قبل أن ينتقل لاحقاً الملف إلى المحكمة الدائمة في غضون أشهر».
«حبلص»… وملف بحنين
في موازاة ذلك، شكّلت عبارة «لم يتمّ سوقه» الأكثر تكراراً في جلسات المحكمة العسكرية الدائمة التي ترأسها العميد حسين عبدالله وعاونه فيها القاضي المدني محمد درباس في حضور مفوّض الحكومة القاضي كمال نصّار.
أبرز ما كان على جدول جلسات المحكمة ملف أحداث بحنين، حين وقعت إشتباكات عنيفة بين مجموعة خالد مصطفى محمد المعروف بـ«خالد حبلص» (إمام مسجد هارون في بحنين) والجيش قرب مسجد هارون في تشرين الثاني عام 2014.
وفي التفاصيل، افتتح عبدالله الجلسات في المرّة الأولى قرابة الحادية عشرة والربع، ليكتشف أنّ العدد الأكبر من الموقوفين لم يتمّّ سوقه بعد. «ما في سوق اليوم ريّس!»، يهتف أحدهم. فطلب عبدالله من الشرطة الإتصال والتأكّد من عملية السّوق.
فتبيّن أنّ الموقوفين في سجن رومية محتجّون على الإجراء الإحترازي الذي باتت تتّخذه الدولة بعدما حاول أحد السجناء الهرب أثناء نقلهم من رومية إلى سجن آخر، وهو تكبيل يديهم وأقدامهم بالأصفاد قبل سوقهم إلى جلسات المحاكمة، أو المستشفى أو إلى سجن آخر، لذا سيمتنعون عن الحضور.
وعند الثانية عشرة وخمس دقائق عاد وافتتح عبدالله الجلسات، ليتبيّن أن المتهمين من الشمال فقط هم الذين حضروا، فطلب تكرار سوق بقية المتهمين قبل أن يرجئ الجلسة إلى 7 آذار 2017. وكانت المحكمة قد بتت بإخلاء سبيل نحو 10 من الموقوفين في ملف بحنين، والذين مضى على توقيفهم الإحتياطي أكثر من 3 سنوات.
الأصفاد تشعل «روميه»
وعشية موعد محاكمتهم، أرسل مساجين عدداً من الرسائل، يعبّرون فيها عن سخطهم من الأصفاد، أبرز ما تمّ تناقله: «سياسة الأصفاد .. إلى أين… اليدان مقيّدتان إلى الخلف بشدة، والأقدام تُكبلها الأصفاد وتجمع الأربعة سلاسل حديدية مهينة.
لم تعترف الدولة بفقر المرافقة الأمنية للسوق، والتي أدت إلى فرار سجين… بل اعتبرت أن السبب هو عدم تكبيل الأقدام إلى جانب اليدين، لذلك لجأت إلى سياسة الأصفاد»… وفي السياق نفسه خاطب حبلص المئات من المساجين الذين اعتصموا في باحة المبنى «ب» رفضاً لسياسة الأصفاد: «سنحصل على مطالبنا كافة بالطرق السلمية المشروعة من دون التعرض لأيّ دركي».