تكاد المواجهة في حلب تتحوّل مواجهة بين روسيا وأميركا وإن بطريقة غير مباشرة.
يتساءل الأميركيون ماذا يفعل الروس في حلب؟
لماذا يجمعون قواتهم ويدشّمون مواقعهم هناك، وقد نقلوا مدفعيتهم الثقيلة إلى شمال حلب، بعدما كانوا أعلنوا انسحابهم بشكل أساسي من سوريا وساهموا في اتفاق وقف النار والذهاب إلى التفاوض في جنيف؟
أثبتت الوقائع أن موسكو ما زالت تمارس سياسة «الماسكاروفكا»، أي المناورة والخداع. فهي أعلنت أنها دخلت سوريا لمحاربة الإرهاب في آخر أيلول الماضي، لكنها لم تُركز هجماتها سوى على المعارضة، وقد قُتل أكثر من 5 آلاف على مدى ستة أشهر، 40 في المئة منهم مدنيون.
وأعلنت سحب الجزء الأكبر من قواتها في سوريا، لكنها في الوقت ذاته لم تُنهِ عملياتها العسكرية.
وأعلنت دعمها للتفاوض على حل سياسي بالتوافق مع الأميركيين، وفق مبادئ جنيف التي تنصّ على هيئة إنتقالية للحكم، لكنها لم توقف غاراتها الجوية وقصفها المدفعي الثقيل دعماً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
يدور حديث في واشنطن أن الإنسحاب الروسي لم يكن إلّا جزءاً من حملة دعائية أعدّها سيّد الكرملين، وإن الأميركيين ليسوا أغبياء، (على حد تعبير وزير الخارجية جون كيري) ولن يقفوا متفرّجين على بوتين وهو يفعل ما يفعل لدعم النظام وتدمير المعارضة.
من هنا يفسّر البعض قرار أوباما الأخير بإرسال مزيد من القوات الأميركية الخاصة إلى سوريا لتدعيم جهود مكافحة الإرهاب، وانتقال المخابرات المركزية الأميركية (CIA) إلى الخطة «ب» لتزويد المعارضة السورية المعتدلة سلاحاً نوعياً من ضمنه صواريخ أرض – جو تُحمَل على الكتف لمواجهة الطائرات الحربية الروسية والسورية، وبالتالي إعادة تصحيح موازين القوى المتحاربة ميدانياً.
الجميع بات يُراهن على معركة حلب لرسم الخطوط العريضة لمستقبل سوريا.
الأسد يتطلع إلى حسم عسكري يجهض العملية الإنتقالية ويمكّنه من فرض شروطه على المعارضة.
وإيران تريد الإنتصار في حلب بعد سلسلة من المحاولات السابقة لتكريس حصتها على طاولة المفاوضات الإقليمية وبسط نفوذها.
وروسيا تريد استعراض قدراتها العسكرية والإستفادة القصوى من سياسة الإنكفاء الأميركية في الشرق الأوسط قبل وصول رئيس أميركي جديد الى البيت الأبيض.
أما المعارضة فتعتبر هزيمتها في حلب بمثابة إنهيار لوجودها ومشروعها.
وتركيا تراها خطاً أحمر وتهديداً لمصالحها الإستراتيجية.
وواشنطن والسعودية والخليج تعتبر حلب طريق الحل السياسي ونقطة الإنطلاق لمحاربة دولة «داعش» والإرهاب.
إن لعبة التوازنات متواصلة بين جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين، وكل مفاجأة تُلغيها مفاجأة مقابلة.