IMLebanon

ما الذي أنقذ حوار “الحزب – المستقبل” بعد التصعيد الذي أوشك أن يعطّل مسيرته؟

مساء الأحد الماضي طرأت على المشهد السياسي فجأة معطيات أوحت للمتابعين أن حوار “حزب الله” و”تيار المستقبل” اصبح قاب قوسين أو أدنى من انصرام حبله، وفرضت طرح سؤال عن احتمالات ما بعد ذلك التطور السلبي المباغت.

بعد الكلام التصعيدي ضد “حزب الله” ونهجه في لقاء قوى 14 آذار في البيال السبت الماضي، أتى من الجنوب كلام مضاد لرئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد اطلق فيه أكثر من مؤشر الى أن الحوار بعد الكلام الذي ترددت اصداؤه في أرجاء القاعة البحرية الشهيرة، صار صعباً وبلا جدوى.

وعلى أساس هذه الاجواء السلبية تهيأ المعنيون لاحتمال انفراط عقد الحوار الذي انطلق في كانون الأول الماضي ونعيه بين لحظة وأخرى.

لكن الأمور ما لبثت أن سلكت مسلكاً آخر، فمع صبيحة اليوم التالي (الاثنين) طفت على الواجهة سريعاً معطيات ومؤشرات مضادة أوحت الآتي:

– ان الحوار سيعاود مسيرته حتماً، وموعد الجولة الثامنة مساء الاربعاء (اليوم) ثابت والكل سيحضر والبحث سيستكمل خلالها حول بند الاستحقاق الرئاسي وملء الشغور.

– بادر “حزب الله” الى سحب الشريط المصور للنائب رعد وهو يلقي كلمته من التداول وامتنع إعلام الحزب عن توزيعه كما هي العادة.

– في المقابل التزم “تيار المستقبل” عدم الرد فحال بذلك دون فتح باب السجال.

ما الذي استجد وأفضى الى تبديد المناخات السلبية التي أرخت بظلها الثقيل لبعض الوقت؟ واستتباعاً ما الذي اعاد أمر الحوار بين الطرفين الى نصابه المعتاد؟

قنوات التواصل غير المرئية بين الطرفين فتحت كلها خلال وقت قصير، واستنفر المعنيون كل جهودهم لضبط الموقف ورأب الصدع الذي ظهر والحؤول دون انهيار الحوار النادر وذي القيمة المضافة في الحياة السياسية والأمنية، وفي مقدم هؤلاء كان راعي الحوار وحاميه الرئيس نبيه بري الذي ما ترك مناسبة إلا دافع فيها بقوة عنه الى درجة ان هذا الدفاع صار جزءاً من تصريحاته اليومية.

حصيلة جولة الاتصالات العاجلة تلك انتهت الى توضيح كل طرف ملابسات ما استجد وهدد الحوار، والى التفاهم على اعادة تجديد الثقة بالحوار وعزله عن المؤثرات وتحصينه في وجه كل الهجمات التي تعرّض ويمكن ان يتعرّض لها.

“حزب الله” اشار في السياق عينه الى أن ما دفعه الى الخروج هذه المرة عن صمته المعتاد على هجمات سابقة استهدفته والرد بهذه النبرة العالية وبلوغ درجة التلويح، للمرة الأولى، بأنه صار في طور مغادرة الحوار، ثلاثة اعتبارات:

الأول، أن ثمة كلاماً تصعيدياً سمعه هذه المرة من زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري مباشرة خلافاً للمرات السابقة حيث كان مصدر الكلام رموزاً جعلت همها تعطيل الحوار بأي ثمن.

الثاني، انه سبق الكلام التصعيدي الأخير كلام مماثل، مما دفع الحزب الى قراءته على أساس انه عود على بدء، وبالتالي استئناف للحملات المألوفة التي سادت مرحلة ما قبل انطلاق الحوار.

الثالث، هو انه بعدما علا الضجيج الآتي من “البيت المستقبلي” صار الحزب مضطراً الى الرد مراعاة لجمهوره العريض، خصوصاً ان الخطاب “المستقبلي” انطوى على التهجم على ايران التي لها عند هذا الجمهور رمزية كبرى.

وبناء على كل ذلك وجد الحزب نفسه مضطراً الى توجيه رسالة حازمة وانتظار جواب واضح ليبني عليه مقتضاه.

من جهة “المستقبل” أتى الرد غير المباشر على النحو الآتي: “لسنا في وارد تهديم طاولة الحوار التي ذهبنا اليها عن قناعة ووعي كاملين، ولكن انتم أدرى بالقضية والأبعاد والخلفيات والاختلافات، وتعلمون أن معادي الحوار لم ييأسوا بعد من السعي الى عرقلته”.

الرئيس بري وضع كل ثقله وكان له مع المعنيين كلام لم يخلُ من الحدة، وفحواه: لم تعد ازدواجية اللغة من تيار واحد حيال تطور واحد مقبولة، اذ تصير في هذه الحال لعبة توزيع أدوار لا يمكن مراعاتها، فاللحوار، أي حوار، قواعد ومقتضيات.

وفي الليلة عينها أفرغ بري كل ما يعتمل في صدره من استياء عبر كلامه غير المسبوق عما سمّاه “الداعشية السياسية التي تجهد لتهديم حوار وطني واعد بمثل ما تهدد الداعشية العسكرية الوطن برمته عبر الحدود”.

وهكذا، وفي وقت قصير، تلاقت ثلاث ارادات على انقاذ حوار شاء كارهوه ان يسقطوه هذه المرة بالضربة القاضية.

وصبيحة اليوم التالي بادر أحد ممثلي “حزب الله” في الحوار أحد الاعلاميين بالقول إن الاعلام تسرّع في تخميناته وذهب بعيداً في تقديراته في شأن مستقبل الحوار، فكان رد الاعلامي: هذا أبسط الأمور أمام حدة الاشتباك الذي طرأ وأمام الرد التصعيدي للنائب رعد.

من البديهي القول أنها ليست المرة الاولى التي يمر بها حوار التيارين الأزرق والأصفر في اختبار صعب، ولكن الثابت انه كان أخيراً الاختبار الأصعب على الاطلاق وبلغ شفير التوقف، ومع ذلك أعيدت الأمور الى سيرتها الاولى. وهذا يؤكد مجدداً صحة ما قيل من أن الحوار حاجة ملحة لطرفيه وكذلك للرئيس بري المحتاج دوماً الى مدى حيوي يتحرك فيه ويثبت حضوره.

ولكن الأكيد أن كارهي الحوار، وخصوصاً في “البيت المستقبلي”، لم ييأسوا بعد، وسيكررون محاولاتهم، فهل سيكون بمقدور الحزب الاحتمال، واستطراداً هل بمقدور التيار المتبني للحوار في “المستقبل” ان يحزم أمره مجدداً ويستكمل ما بدأه ويحمي قراره؟