Site icon IMLebanon

ما الذي أراد السيد حسن نصرالله الإفصاح عنه في إطلالته الأخيرة؟

أكثر من أي وقت مضى، بدا الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة واثقا من صوابية الخيارات التي تنكّبها منذ أكثر من عامين عندما اتخذ القرار الشاق الذي وصفه البعض يومذاك بـ”المغامرة غير المأمونة العواقب”، وولج الى عمق الميدان المشتعل في الساحة السورية.

في ذلك الحين أقلية كان يخامرها الاعتقاد بأن لدى النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الاسد فرصة للعيش، خصوصاً بعدما اجتمعت أكثر من 140 دولة في ائتلاف لدعم المعارضة السورية من جهة، وسحب كل اعتراف بشرعية النظام في دمشق وعزله تماما من جهة أخرى.

وكثرة كاثرة كانت على يقين من أن افول هذا النظام بات مسألة ايام أو أشهر، وانه على وشك الرحيل مع خياراته وتحالفاته.

وقتذاك ذهب السيد نصرالله الى التحذير من خطورة ما هو آت على لبنان بكل تلاوينه، لكن البعض اعتبر الامر مجرد تهويل مفتعل لتبرير الاقدام على هاتيك “المغامرة المجنونة” والذهاب الى مطرح النار واللعب في ملعب تطاحن الكبار، واستطرادا السباحة عكس التيار.

باختصار نما يومذاك اعتقاد فحواه ان “السيد” ذاهب بقدميه هذه المرة الى الخيارات اليائسة والاحتمالات الخائبة سلفاً، وفي أحسن الأحوال الى ساحة استنزاف طويل لقواه ولصورته ولتاريخه.

وحيال تشوّش الصورة بدا مريدو السيد يقيمون على مساحة من الخشية والخوف منطلقين من تساؤل الى أي المجاهل يأخذنا السيد هذه المرة، إلى درجة ان شريحة منهم كانت في شك من امرها معتقدة ان زمن النصر الموعود هذه المرة ليس مضموناً، خصوصاً بعدما توالى وصول جثامين الذاهبين الى الميدان بكثرة غير مألوفة وبعدما انتصبت بيوت الاحزان والعزاء في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب وجبيل.

في اطلالته الاخيرة تحدث نصرالله بثقة زائدة بالنفس عن ثلاثة عناوين شاء ان يبرزها برهانا قد لا يرقى اليه الشك على صحة خياراته وعلى انطواء زمن الرهبة والتوجس والقلق:

الأول: ان الارهاب الذي كان ذبح للتو 21 مصرياً في ليبيا صار آفة كبرى تتسع كبقعة الزيت، تقتل أبرياء من كل الملل والنحل وفي كل أرض.

وبذا يقدّم نصرالله نموذجاً حياً عن خطر هذا الارهاب المستفحل كداء خبيث، لا لشيء الا لانه يريد ان يثبت انه قادر على الذهاب بالبشرية إلى حيث هو يريد، أي الى التوحش، وهو لذلك لا يعبأ بحدود ولا يقيم اعتبارا لقيم ولا لمستقبل دين يقدم نفسه على انه اطار حضاري.

وبذا أيضاً يقول نصرالله ان الارهاب الذي اختار هو باكرا جدا ان يذهب الى سوريا لمقارعته واتهمه كثر بانه يجر قرص النار الى داخل البيت اللبناني، تحول معضلة عالمية يستشعر الجميع خطورة تمدده بمن فيهم الرئيس سعد الحريري، فيبادر الى اطلاق الدعوة الى استراتيجية وطنية لمكافحته بعدما أقام الدنيا ولم يقعدها للتنديد بخطوة نصرالله الذهاب الى سوريا، ناعتاً إياها بأنها جنون ما بعده جنون.

وأكثر من ذلك، وجد نصرالله في ضوء كل تلك المستجدات الدراماتيكية فرصة ذهبية لدعوة الذين طالبوه بالخروج من الاتون السوري الى مرافقته الى هذا الخيار بكل طيب خاطر.

الثاني: ان الأوضاع في كل كيانات المنطقة منزلقة نحو مزيد من حلقات التعقيد وتداعي المعادلات وتهافت الواقع المألوف، لذا يصير من غير المنطقي بعد ذلك مواجهة هذه الزلازل بالدعوة الى اتباع سياسة النأي بالنفس التي تصير محاكاة للنعامة ساعة يدهمها الخطر. وبهذا المعنى يدعو نصرالله اصحاب شعار لبنان المحايد او تحييد لبنان عن صراعات الاقليم، الى الكف عن ترديد شعار كهذا أو التحصّن خلفه واعتباره معوذة الحماية أو حجاب الحصن الحصين.

الثالث: يقدم نصرالله ادلة على صوابية رهاناته المزمنة، انطلاقاً من الداخل، مروراً بخيار المواجهة مع اسرائيل، وصولاً الى خيار الوقوف الى جانب النظام في دمشق.

بالاجمال كان لدى نصرالله بالامس جرأة الكلام والجرأة على اشهار خياراته الاستراتيجية التي تتخطى حدود الكيان الصغير الذي سمّاه يوماً أحد المفكرين “الجبل الملهم”، فالارهاب الذي يضرب في كل الاتجاهات ويصر على ترهيب الجميع بالأنماط الاكثر توحشاً، من حرق الطيار الاردني الى ذبح العمال المصريين في الساحة الليبية السائبة، قدّم من تلقاء أفعاله المبررات والمسوغات المادية والمعنوية للوقوف في وجهه، فهو لم يعد امراً سرابياً وهيولياً، بل بات خطراً كامناً في عقر الدار وعلى الحدود التي لا تبعد عن بيروت إلا أميالاً قليلة، وهو أيضاً لا يخفي أطماعه ولا يغلف مآربه بأية غلالة من الديبلوماسية والتمويه حتى.

وعلى المستوى الداخلي بدا نصرالله اكثر اطمئنانا الى أمور ثلاثة:

– ان تفاهمه مع “التيار الوطني الحر” الذي بدا منذ عقده قبل تسعة اعوام قفزة في المجهول، صار نموذجا يقتدى به للجميع.

– ان مستقبل الرئاسة الاولى في لبنان امر لن يقرر ان لم يكن له ولحليفه العماد ميشال عون الكلمة الفصل واليد العليا، فقد ولى عنده زمن الاتيان برؤساء كيفما اتفق.

– ان نصرالله بدا أكثر ثقة من خصمه الألد أي “تيار المستقبل” الذي لم يعد في مرحلة تسمح له بالتحرر من خيار الحوار الذي بدأه قبل نحو 3 اشهر مع حزبه، وهو واثق انه ماض الى خواتيم معقولة “وتحت سقف التوقعات” وفي هذا رد غير مباشر على مقولة ان الحوار لا يلغي ثوابت رؤى تيار المستقبل. ففي المضمر من تفكير دوائر القرار والتحليل في الحزب ان اعلان التمسك بهاتيك الثوابت هو لزوم المنابر والمناسبات والجمهور العريض الذي يحتاج الى ما يشد عصبه وينهضه من حالات ارباك وتساؤل.

وبالاجمال بدا نصرالله اكثر اطمئنانا من اي وقت مضى الى ان هجمات الارهاب الفالت من عقاله، الممعن في توحشه من جهة، وصمود النظام السوري في وجه الحرب عليه، جعلت من عملية التشبيك التي فتح ابوابها منذ اكثر من عامين وروعت الكثيرين حينها، خياراً صائباً وإن كلّف الكثير من التضحيات الغالية. وربما لم يكن في مقدور نصرالله ان يطلق مثل هذه الدعوات والرؤى بمثل هذا القدر من الثقة قبل ان يبسط اتباع محوره في اليمن سيطرتهم على مقاليد السلطة في صنعاء فارضين بذلك معادلات جديدة ووقائع عنيدة في بلاد أغنى ما فيها موقعها الاستراتيجي.

وفي أي حال يتصرف السيد نصرالله وحزبه على اساس ان مناوئيه في الداخل اللبناني باتوا اعجز من اي وقت عن مواجهة حساباته وخياراته حتى وان تسلحوا بمقولة “ربط النزاع” ليبرروا الذهاب الى التحاور معه والمضي قدماً بهذا الحوار.

وأبعد من ذلك، بدا نصرالله في خطابه واثقاً من يوم تعود فيه أوجه التنسيق العسكري مع سوريا كمعبر إلزامي لجبه هجمة الارهاب الكامن في الجرود حيث ان لحظة مقارعته آتية ولا ريب وموعدها ذوبان الثلوج، أوليس موعد الدفء بقريب؟