Site icon IMLebanon

ما الذي أظهره قتل “النصرة” للدركي البزّال وهل يمكن القبول بـ”هيئة العلماء” وسيطاً؟

شكلت عملية اعدام “جبهة النصرة” للدركي علي البزال في نهاية الاسبوع الماضي انقلابا كاملا على مسار كانت تسلكه قضية العسكريين المخطوفين في جرود عرسال منذ 2 آب الماضي.

هذه الجريمة ترافقت مع انكفاء الوسيط القطري عن الواجهة بعد دور مربك، أو بعد دور غير مكتمل وفق دوائر معنية في قوى 8 آذار، وبالتالي بدا جليا لها ان الدوحة لم تضع كل ثقلها في القضية اساسا بل هي راعت في لحظة سياسية معينة خاطر رئيس الحكومة تمام سلام الذي زارها في ذلك الحين.

والعملية عينها اطاحت رهاناً كان يعقده بعض الافرقاء اللبنانيين على دور يمكن ان تضطلع به “جبهة النصرة” بعد فتح قنوات اتصال خفية معها. فهي عندما اعدمت الدركي البزال كشفت عن وجهها الاجرامي واثبتت انها لا تملك قابلية اللعب بمرونة مع الآخرين الذين يخطبون ودها حتى بعدما وصفوها بأنها جبهة معارضة تعبر عن شريحة من الشعب السوري ولا يتعين التعامل معها كما التعامل مع تنظيم “داعش”.

والجريمة نفسها اطاحت ايضا وعوداً كانت السلطة اللبنانية تعتقد انها حصلت عليها، وفحواها وقف قتل العسكريين المخطوفين مهما حصل والاكتفاء بذبح العسكريين الثلاثة ليكون ذلك عربون رغبة في الوصول الى خواتيم معقولة لهذه المسألة.

وأكثر من ذلك اطاحت عملية القتل كل التسهيلات التي غضّت السلطات اللبنانية المعنية الطرف عنها خصوصا في الآونة الاخيرة، سواء لجهة توفير الاموال للمسلحين المتمركزين في الجرود والابقاء على معابر مفتوحة لإيصال مؤن وذخائر ومواد طبية وسواها.

وأبعد من ذلك دفعت عملية قتل الدركي البزال رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الخروج عن صمته وفتح النار على خلية الازمة، معتبرا انها هي الازمة وملمحا الى انها لم تحسن استخدام اوراق القوة التي لدى الدولة، والتي تغنّى بها اكثر من مسؤول وفي مقدمهم الرئيس سلام. وبحسب محيطين ببري انه كان في نيته الذهاب ابعد من ذلك في الكلام عن سوء ادارة خلية الازمة لأزمة المخطوفين لولا معزته الخاصة للرئيس سلام وانتفاء الرغبة لديه في تفجير التناقضات داخل الحكومة التي يبدو ان المطلوب من الجميع الحفاظ عليها على رغم ما يعتري عملها واداءها من عثرات.

والعملية عينها أطاحت أيضاً دوراً كان يفترض ان يؤديه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم اذ ان دوره كقناة امنية معنية بهذا الملف قد احيط من الآن فصاعدا بالشكوك، في حين ان خلية الازمة لم تأخذ بجدية كل التوجهات التي اقترحها لمعالجة الموقف المأزوم وتعزيز ورقة لبنان التفاوضية.

وليس خافيا ان العملية بددت الى حد بعيد الجهود الجبارة التي بذلها الجيش منذ اشهر لجبه تمدد الارهاب في الداخل وعلى الحدود. فمعلوم ان الجيش دخل في عملية لَي ذراع مع الارهاب وحقق ضربات باهرة بدا معها وكأنه يملك زمام الموقف، لذا اتت عملية “النصرة” الاخيرة للرد على كل انجازات المؤسسة العسكرية.

ولقد اثارت عملية اعدام الدركي البزال والوقائع التي ترتبت عليها، تساؤلات عن الفرص التي ما زالت الدولة تملكها، وما هي طبيعة الخيارات التي يمكن ان تلجأ اليها لاحقا لمعالجة الوضع الذي دخل في طور اكثر تعقيدا وتأزما؟

ثمة منطقة فراغ الآن سارعت “هيئة العلماء المسلمين” الى ملئها من خلال تقديم نفسها كوسيط مجددا، ولكن السؤال المطروح هو: هل يمكن أن تنال هذه الهيئة الطامحة تكليفا رسميا للقيام بالمهمة التي ندبت نفسها لها كما اشترطت للبدء بالوساطة، واستطرادا هل يمكن ان “تمشي” معها السلطة قدماً في موضوع اطلاق النسوة المحتجزات نزولا عند شروط “جبهة النصرة”؟

الدوائر عينها ترى ان “هيئة العلماء” تتصرف وكأن لبنان في وضع العاجز والقاصر عن فعل اي شيء وان ما تعهدت القيام به هو فعل انقاذي.

إضافة الى ذلك، فان الهيئة ليست جديدة على خط القضية، فدورها خلال الايام الاولى من عملية خطف العسكريين في جرود عرسال في اوائل آب المنصرم، احيط بالكثير من الالتباسات والتساؤلات، وثمة شريحة واسعة حمّلتها تبعات عدة في حينها، ولا سيما ان اسم الهيئة اقترن بالورقة التي قيل ان المسلحين وضعوها تحت حجر في داخل عرسال وتتضمن اسم المكان الذي سيكون فيه المخطوفون في انتظار من يعيدهم في حال سمح للمسلحين بالخروج من عرسال باتجاه جرودها.

وقد صار معلوما ان توترا ساد العلاقة بين الهيئة والرئيس سلام، خصوصا في اعقاب الكلام على اصابة رئيس الهيئة الشيخ سالم الرافعي ابان وجوده في عرسال في اطار مهمته التفاوضية التي سافر بعدها الى اسطنبول ليمضي هناك اكثر من شهر مبتعدا عن صدارة المشهد.

وعموما يبدو واضحا ان تاريخ هذه الهيئة ودورها السابق وارتباطاتها وخطابها السياسي المتشدد المعروف لن يشجع فريقا حكوميا وازنا على اسباغ غطاء شرعي رسمي على تبرع هذه الهيئة للعودة الى لعب دور الوسيط، اي العودة الى استئناف المهمة التي لم تسجل فيها اي نجاح يذكر.

وهكذا يرسل هذا الفريق اكثر من اشارة فحواها انه لن يكون متهاونا في مقاربة هذا الموضوع من الآن فصاعدا، فكلام الرئيس بري له تتمته في الايام القليلة المقبلة بحسب زواره، فضلا عن ذلك ثمة شعور متعاظم لدى حركة “امل” و”حزب الله” حول ما اذا كان الاداء الضعيف والمرتبك لخلية الازمة وعدم جدية الوسيط القطري هو عمل مقصود بعينه لتمهيد السبل امام دور لهذه الهيئة وسواها من الشخصيات والقوى. كما ان ثمة حديثاً متناميا داخل اوساط هذين الفريقين عن امكان الاستمرار في ضبط ردود الفعل في قابل الايام اذا ما استمر المسلحون في الابلاغ عن مقتولين جدد.

في أي حال، ثمة مقاربات جديدة وحسابات مختلفة في موضوع العسكريين المخطوفين في الايام المقبلة.