ليس الحق على الحكومة. ولا على الكارتل المالي والسياسي المتحكم بالقرار علناً، أو من وراء الستار. ولا على قوى النهب العام المنتظمة في صفوف على أبواب المناقصات الصورية المدروسة. ولا على مافيات الفساد المتغلغلة والمعششة في دوائر الدولة من قمة الهرم والى قاعدته… بل الحق هو على هذه القوافل من السذج التي تلبي نداء التظاهر، للوقوف سداً في مواجهة تسونامي النهب، وخراطيم المياه، وثريات القنابل المسيلة للدموع! الحق على أصحاب الذهن الغليظ من جماعات وجمعيات المجتمع المدني الذين لا يزالون يؤمنون بالمثاليات في السياسة، وب المدينة الفاضلة وجمهورية افلاطون!
***
كان الفساد في الدولة يسير على الصراط المستقيم لزمن طويل، دون أن تزعجه عقبة على الطريق، أو صرخة على الرصيف. وكانت الصفقات المنفوخة بالأرقام تتبع القاعدة العلمية الهندسية السليمة القائلة بأن الخط المستقيم هو أقصر طريق بين نقطتين. وعلى هذا الأساس، كانت الصفقات التي تغرف من المال العام تعبر الطريق القصير آمنة وفي أسرع وقت الى جيوب الفاسدين، دون حسيب ولا رقيب ولا عزول ولا معترض! وكان المجتمع المدني المحقون بمخدرات التبعية السياسية والطائفية والمذهبية، يغط في كوما عميقة، الى أن أيقظته من سباته، الروائح النفاذة والخانقة المنبعثة من تلال القمامة تحت النوافذ وعلى عتبات البيوت!
***
في البدء كانت الكلمة في الكون… وفي البدء كانت سوكلين في لبنان! وكان التمديد هو ناموس السياسة في لبنان… التمديد للفراغ الرئاسي، التمديد للعجز الحكومي، التمديد للولاية في مختلف المواقع. التمديد لتفاقم الدين العام وهكذا… فاذا كان التمديد هو القاعدة، فلماذا يكون عدم التمديد لسوكلين هو الاستثناء؟! واذا كان المجتمع المدني الطفولي والمأخوذ بالمثاليات الفارغة لا يفهم ثقافة الصراط المستقيم للفساد، فلا بد اذن من افهامه عن طريق التبسيط، ولو بالطرق الملتوية!..
***
تمثيلية فض العروض لمناقصة النفايات حاولت افهام أصحاب الذهن الغليظ من المجتمع المدني هذه الحقيقة: تريدون التخلص من النفايات في بيوتكم وتحت شرفاتكم وأمام أبوابكم؟ حسناً، فهذه أخوات سوكلين أمامكم، وسوكلين وراءكم، فأين المفر؟! كان احتجاجك أيها المجتمع المدني الغبي على السرقات وارتفاع الأسعار والكلفة في الاتفاق مع سوكلين… فخذ اذن هذه الصفعة مع صفقة أسعار أكثر ارتفاعاً وكيّاً، مع أخوات سوكلين! واذا كنت يا حمار الرأي العام لم تفهم بعد، فإن أسعار سوكلين التي كنت تراها مرتفعة، ولصوصية وسرقة، ها هي الآن قد أصبحت أرخص من أسعار أخواتها، وأنعم، وأرحم! وها هي سوكلين الآن في الانتظار بكامل جهوزيتها وطابورها من الزبالين والعمال والأدوات… والحماة من السياسيين! وللعلم فقط، تعبير حمار الرأي العام هو للراحل سعيد تقي الدين…
***
فوق كل ذلك، اذا كانت أخوات سوكلين تحتاج الى وقت يتراوح بين ٦ و١٨ شهراً للاقلاع، فإن كل شيء جاهز في سوكلين للاقلاع فوراً… وكما يقول المثل الشعبي أيها الشعب الغبي: احفظ قديمك… فجديدك لا يدوم! فهل كانت الأسعار المنفوخة في مناقصة أخوات سوكلين، مجرد مناورة لالغائها لاحقاً، والعودة الى سوكلين؟! وهل مهمة مجلس الوزراء ايجاد المطامر بالقوة لتسهيل عمل سوكلين سلفاً؟!