مزارع شبعا والجولان باتت جبهة واحدة مفتوحة لمقاومة حزب الله والحرس الثوري
إيران تعمل للإمساك بورقة الجولان الساخنة للضغط في مفاوضاتها مع أميركا
ما مصير القرار 1701 إذا تخلى حزب الله عن قواعد الإشتباك الحالية؟
عقب العملية التي نفذها حزب الله يوم الأربعاء الماضي ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة ساد توتر شديد لساعات قليلة، ومن ثمّ هدأت الأجواء، وهي تشبه من يُشعل ناراً في وقت محدّد يسكب عليها الماء فتنطفئ فوراً إلا من بعض دخان يتسرب من تحت رمادها.
هذا التوتر الشديد يشبه إلى حدٍّ بعيد أجواء الساعات التي تلت خطف حزب الله لثلاثة جنود اسرائيليين في 13 تموز 2006 والتي أدت إلى عدوان اسرائيلي استمر 33 يوماً على لبنان.
عملية يوم الأربعاء الماضي أراد منها حزب الله أن تكون محدودة، ورداً على العدوان الاسرائيلي الذي استهدف مجموعة للحزب بالقرب من القنيطرة في الجولان السوري المحتل قبل عشرة أيام.
ووفقاً لمصادر قيادة «اليونيفل» في الجنوب وما أعلنه وزير الدفاع الاسرائيلي موشي يعالون بأن الحزب أبلغ قيادة الطوارئ الدولية رسالة تفيد أن الحزب غير معني بالتصعيد وأنه يرى أن الحادث انتهى.
ومن ثّم تبيّن أن أميركا دخلت على خط التهدئة فوراً وأعلن بعد ذلك متحدث رسمي أميركي «بأن الحادث لا يستدعي حصول حرب بين الطرفين».
فقوات الطوارئ التي تبلغت رسالة حزب الله بعد ساعة من العملية العسكرية أبلغتها بدورها لقيادتها في نيويورك، كما أبلغتها للحكومة الاسرائيلية، وعليها بُني الموقف الأميركي بالعمل لعدم التصعيد.
الصحيح ان نتنياهو ولحسابات الربح والخسارة الخاصة به وبفريقه مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، جعلته يذهب للتهدئة، ومن ثم يتلطى بالموقف الأميركي.
وتُشير مصادر سياسية بأن نتنياهو لو كان واثقاً من تحقيق نتائج إيجابية من غير خسائر فادحة في الجانب الإسرائيلي لما كان انتظر «الغطاء» الأميركي، فالانتخابات النيابية الإسرائيلية باتت قريبة وهو يخشى أي انتكاسة، ولا يرغب ان يدخل بمغامرة حرب مع حزب الله كما فعل رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت عام 2006، الذي لحقت به هزيمة سياسية ساحقة لأنه لم يستطع ان يحقق المطلوب من عدوانه على لبنان.
بالأمس أعلن أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله عن خشيته من غدر العدو الصهيوني، ولذلك صعّد موقفه، بأنه حذر وبشدة من أية مغامرة يمكن ان يقدم عليها العدو رداً على عملية مزارع شبعا،«فإذا حصل أي استهداف لعناصر المقاومة فنحن سنلغي التزامنا بقواعد الاشتباك وسيكون امامنا كل شيء مباحاً للقيام به..».
فالسيد نصر الله أراد ان يقول بكل وضوح انه في حال حصل اعتداء فإن الرد سيكون في أي مكان يراه مناسباً، ووقتها لن يتم مراعاة القرار 1701 والخط الأزرق، والعمليات ممكن ان تحصل من لبنان أو من الجولان أو في أي مكان آخر.
وجاء كلام السيّد نصرالله بهذا الوضوح لأن الثقة بالعدو الصهيوني معدومة، وايضاً لكونه لا يرغب بحصول حرب في هذه المرحلة البالغة الحساسية والدقة.
ويرى مصدر مراقب بأن حزب الله أراد ان تكون عملية مزارع شبعا مدروسة ومحدودة فهي نفذت في منطقة غير خاضعة للقرار 1701، أي منطقة «ملتبسة» في لبنانيتها، لأن سوريا رفضت تسليم لبنان أو الأمم المتحدة عام 2000 عندما كان يتم ترسيم الخط الأزرق بين لبنان وفلسطين المحتلة أي مستند رسمي سوري يُقرّ بلبنانية منطقة مزارع شبعا، ولذلك لم تدخل في نطاق القرار 1701 والخط الأزرق، ويضيف المصدر بأن سوريا رغبت وقتها ان تبقى منطقة مزارع شبعا ملتبسة في هويتها اللبنانية، ليستخدمها حزب الله ساحة للمقاومة للحفاظ على شرعية بقاء سلاحه بعيداً عن الدولة ومؤسساتها.
من جهة أخرى، إن لجوء السلطات الإيرانية إلى الإعلان عن مقتل أحد قادة الحرس الثوري في الغارة الإسرائيلية على موكب حزب الله بالقرب من القنيطرة في الجولان المحتل (وهي كانت تستطيع عدم كشف ذلك للعلن)، ارادت بذلك ان تعلم الأميركي والإسرائيلي وغيرهم انها موجودة عسكرياً مع حزب الله في الجولان المحتل، وهذا يتكامل مع ما أعلنه بالأمس السيّد نصر الله من ان المقاومة ستكون في أي مكان وفي الجولان أيضاً، وهذا يعني ان إيران اضافت ورقة «ساخنة» جديدة إلى الأوراق التي تملكها في المنطقة العربية، كما ان إيران تدرك مدى أهمية ورقة الجولان سواء أكانت الأجواء فيه أجواء حرب (ساخنة) أم أجواء هادئة بالنسبة للادارة الأميركية التي تتفاوض معها حول ملفها النووي، وحول رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
صحيح أن المعارضة السورية تسيطر الآن على حوالى 80 بالمائة من الجولان الا أن إيران وحزب الله يأملان توسيع هذه المساحة، كما أن إيران ستعمد في المرحلة المقبلة للدفع إلى الجولان بالمزيد من المقاتلين والسلاح المتنوع لتؤكد وجودها بالقرب من المنطقة التي يتواجد فيها جيش الاحتلال، والسيّد نصر الله أعلن سابقاً ان مقاومته ستتواجد في الجولان بهدف تحريره.. وستدعم المقاومة السورية!!
لا أحد يتكلم في لبنان أو حتى في إيران عن حرب تحرير ستبدأ في الجولان المحتل، ولكن جميع المعطيات تُشير إلى ان المنطقة وخصوصاً منطقة مزارع شبعا وبعض الجولان السوري ستشهد عمليات عسكرية، ضربة بضربة، ومناوشات، واستنزاف، عبر «اختراع مقاومة سورية»، لتشكل غطاء لتواجد حزب الله والحرس الثوري الايراني.
ولكن ما أعلنه السيّد نصر الله بالأمس عن عدم التزامه مستقبلاً بقواعد الاشتباك اوجد الكثير من التساؤلات حول مصير الالتزام بالقرار 1701 الذي صنع استقراراً لسكان الجنوب منذ آب 2006 ولغاية الآن، ويعني أيضاً فيما لو حصل اعتداء على عناصر الحزب في الجولان فان المعركة ستكون مفتوحة من الناقورة الى آخر نقطة في الجولان.
ولكن هناك من رأى في ما أعلنه السيّد نصر الله أمس جزءاً من الحرب النفسية الضاغطة على العدو، فالسيد نصر الله أعلن أيضاً الحرص على أمن الجنوب واستقرار أهله، وهذا يعني انه لا يريد حرباً مع العدو في هذه المرحلة، خاصة في ظل انقسام داخلي كبير غير مساعد، كما أن الموقف العربي من الاعمار الآن يختلف عمّا كان عليه عام 2006 حيث أقدمت وقتها دول الخليج العربي على إعمار كل ما تهدم، كما أن هبوط أسعار النفط سيؤثر سلباً على قضية الاعمار فيما لو حصلت الحرب.
جميع هذه المعطيات موضوعة على طاولة البحث امام قيادة حزب الله وهي تدرك مدى اهميتها، ولكن هل العدو الإسرائيلي سيبقى ملتزماً بقواعد الاشتباك بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية الإسرائيلية فيما لو بدأت المقاومة تصعد من عملياتها في مزارع شبعا والجولان؟
تطورات المشهد الأمني في الجولان في الأشهر المقبلة هي من سيكشف عن الجواب الحقيقي، ولا شيء غير ذلك.