لم يُعرف حتى الآن بما أجاب الإسرائيليون قائدَ قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان اللواء لوتشيانو بورتولانو حول استفساره عن السبب الذي دفَع الجيش الاسرائيلي في هذا التوقيت إلى شقّ طريق بين موقع رويسات العلم وجبل السدان في مزارع شبعا المحتلة، علماً أنّ مصادر موثوقة كشفت لـ«الجمهورية» أنّ بورتولانو زار إسرائيل مرتين خلال نهاية الأسبوع الفائت، للقاء المسؤولين الاسرائيليين للغاية نفسها.
حصلت الزيارة الأولى الجمعة الماضي، واستتبعها بورتولانو بثانية في اليوم التالي، وبعد عودته غادر الى بلده إيطاليا في زيارة لم يُعرف ما اذا كانت لتمضية إجازة ام للانتقال منها الى نيويورك لإبلاغ الامم المتحدة مسائل ذات صلة بنشاط اسرائيل الاخير في مزارع شبعا.
من ناحية مبدئية، فإنّ الاجراء الاسرائيلي يُعتبر من وجهة نظر القانون الدولي غير قانوني كونه يخالف تعليمات عدم تغيير معالم المنطقة المحتلة. ولكنّ مصدرَ اهتمام بورتولانو بهذا الامر، إلى حدّ زيارته إسرائيل مرتين خلال 48 ساعة لمناقشته مع مسؤوليها، يعود إلى خشية «اليونيفيل» من أن يؤدي هذا الاجراء الاسرائيلي الى ردود فعل تزعزع الاستقرار في منطقة عملها (منطقة القرار 1701) المتاخمة لمزارع شبعا.
تقديراتٌ عن خلفيات اسرائيل؟
في انتظار أن تستفسر الجهات اللبنانية رسمياً من بورتولانو عن اجوبة الاسرائيليين له، تطرح مصادر متابعة في الشكل جملة وقائع لافتة واكبت عملية شق الطريق. وفي مقدمها أنّ تل ابيب لم تبلغ وفق التقليد المتبع قيادة «اليونيفيل» في الناقورة أنها في صدد الشروع في شق هذا الطريق، كما أنّ «اليونيفيل» تحرّكت متأخرة للاعتراض على الإجراء الاسرائيلي على رغم أنّ الجانب اللبناني لفت نظرها غير مرّة لهذا الخرق الإسرائيلي، وقد استدرك بورتولانو هذا التأخير عبر زيارتيه لإسرائيل.
كذلك تتصل الملاحظة الآنفة بواقعتين أخريين، أولهما تفيد أنّ تأخر «اليونيفيل» سببه تقني وتقع مسؤوليته على عاتق ضابط الاتصال (فرنسي) المكلف التواصل مع اسرائيل لاستيضاح أيّ تطورات مستجدة. لكنّ الواقعة الثانية تسلط الضوء على أنّ القوة الاسرائيلية تعمّدت شق الطريق في الوقت الذي كانت وحدة نقطة المراقبة الهندية التابعة لـ«اليونيفيل» والمتمركزة على تلال كفرشوبا المطلة على منطقة شق الطريق، تجري التبديل الروتيني لعناصرها داخل هذا الموقع. والملفت أنّ الوحدة الهندية لم تترك كعادتها أحد عناصرها في الموقع اثناء التبديل لضمان استمرار المراقبة، بل أخلته بكامله، إضافة الى أنها تباطأت على نحو ملفت في استبدال حراس الموقع.
وبحسب معلومات اولوية مسربة لا يزال يعوزها تأكيد رسمي، عن نتيجة لقاءات بورتولانو مع الاسرائيليين، فإنّ التبرير الذي قدمته تل ابيب عن خلفيات شق الطريق، أفاد أنّه يهدف الى تدعيم وضعها اللوجستي في منطقة تعتبرها خاصرة رخوة لقواتها هناك، كون الحزب كان نجح في تنفيذ هجمات عسكرية كثيرة فيها.
وتكشف هذه المعلومات أنّ مشروع الطريق الذي أنجز منه حتى الآن نحو 1700 م بين الطرف الغربي من تلة السدانة وموقع رويسات العلم، سيُستكمل بطول اربعة كيلومترات بحيث يربط بين كلّ المواقع الاسرائيلية العسكرية المطلة والموزَعة فوق تلال العرقوب.
وبحسب ترجيحات لبنانية مسؤولة فإنّ الهدف الآنف الذكر ليس كلّ غاية اسرائيل من شقّ الطريق، بل هو مقدمة لهدف اكبر يتمثّل في بناء سياج شائك على طول الحدّ الفاصل بين مزارع شبعا المحتلة ومنطقة شبعا اللبنانية، وذلك على نحو يُكرّر ما فعلته في منطقة كفركلا.
ولكن لماذا تريد اسرائيل انشاء جدار عازل في شبعا؟!
هذا السؤال لقي اهتمام دوائر لبنانية، الى درجة أنّ مراجع سياسية أخذت خلال الأسبوع الماضي «استراحة من السجال الداخلي» المحتدم لتخصيص كلامها عن التنبيه لاخطار إسرائيلية محتملة.
في الإجابة على هذا السؤال، برز الآتي:
أولاً- عزل مزارع شبعا المحتلة عن تماسها اللبناني مع «حزب الله»، وذلك لتعطيل ما تعتقده اسرائيل أنّ الحزب سيرد بعمليات مباشرة في تلك المنطقة في حال حصول أيّ تدخل إسرائيلي في معركة جنوب سوريا التي يقع ميدانها من القنيطرة حتى درعا وضمنها منطقة بيت جنّ السورية المقابلة لشبعا اللبنانية، وأيضاً منطقة السويداء.
ومعلوم أنّ الحزب بعد عمليته الاخيرة في مزارع شبعا رداً على استهداف اسرائيل عناصره في القنيطرة، كان أعلن عن قواعد اشتباك جديدة تُخوّله الرد على اسرائيل في أيّ مكان يريده في حال نفّذت الاخيرة عملاً عسكرياً، سواء في لبنان او في سوريا.
ثانياً- أن تكون اسرائيل في وارد البدء بـ»تأمين» حدودها مع لبنان في منطقة شبعا، بالتزامن مع تحضيرات قائمة في منطقتي بيت جن والقنيطرة السوريتين المقابلتين لمزارع شبعا، لشنّ معارك فيهما ضمن حرب «الجبهة الجنوبية السورية» المتوقعة، والتي تهدف الى محاصرة دمشق عبر اكثر من محور.
ويبدو أنّ اسرائيل تتوقع تداعيات لبنانية لهذه الحرب تحدث في منطقة شبعا – العرقوب امتداداً حتى منطقتي حاصبيا وراشيا بالتزامن مع اقتتال مذهبي في منطقة بيت جن، وعليه فهي تريد اقفال منطقة احتلالها مع لبنان في شبعا، لحصر الفوضى على جانبي الحدود اللبنانية – السورية من هذه المنطقة.
وفي التفاصيل ذات الصِّلة بهذا السيناريو، يتم لفت النظر الى وقائع سابقة كانت أظهرت ضرورة التحسب لإمكانية أن يترافق اندلاع الحرب على الجبهة الجنوبية السورية مع تأثيرات في لبنان، خصوصاً في المنطقة اللبنانية المقابلة جغرافياً لمنطقة القنيطرة – بيت جن والمتشابهة ديموغرافياً معها.
ومن هذه الوقائع الاشتباكات التي حصلت خلال الربيع الماضي بين مواقع «الجيش السوري الحر» في بيت جن، وبين قرى سورية درزية قريبة منها تضمّ لجاناً للحماية الشعبية المؤيدة للنظام.
وكان سقط خلالها جرحى لعناصر من المعارضة السورية، وجرت حينها اتصالات (بعضها دولي) لنقلهم عبر معابر بلدة شبعا الى مستشفيات لبنانية، ولكنّ الاجهزة اللبنانية المختصة رفضت هذا الامر خوفاً من ردود فعل ينفّذها دروز لبنانيون ضدّ جرحى سقطوا في اشتباكات ضدّ إخوتهم الدروز السوريين. واقترح الجيش اللبناني آنذاك لإنهاء الازمة، إرسال فرق طبية ميدانية من الصليب الاحمر عبر معابر شبعا الى داخل الاراضي السورية ليعالجوا جرحى «الجيش الحر» وسواهم، داخل مناطقهم السورية.
والواقعة الثانية حصلت في فترة تالية، ومفادها ورود تحذيرات إلى بيروت بضرورة التحسّب من وقوع حدث في منطقة بيت جن قد يترك ردوداً على الضفة اللبنانية المقابلة لها.
وقال التحذير إنّ قوات «الجيش السوري الحر» التي يتزعمها شخص يدعى «المورو» والموجودة في منطقة بيت جن ومزارعها تُحضّر لتقدم برّي يؤدي لاتصالها بقوات المعارضة الموجودة في منطقة درعا، وذلك ضمن خطة شاملة منسقة من فصائل معارضة عدة لخوض حرب «الجبهة الجنوبية». ولكنّ تنفيذ هذا الهدف، يحتاج بداية من قوات «المورو» السيطرة على بلدة حرفا السورية التي يقطنها دروز والواقعة على تلة استراتيجية مرتفعة على الطريق بين بيت جن ودرعا.
وكان تلا هذه المعلومة، محاولة مسلّحي «المورو» بالفعل السيطرة على بلدة حرفا، لكنّ أهاليها المنضوين ضمن تشكيلات لجان الحماية الشعبية المساندة للنظام أحبطوا المحاولة. واليوم، مع تجدّد الحديث عن اقتراب نشوب الحرب على الجبهة الجنوبية، يسود توقع بتكرار الهجوم على حرفا.
كذلك يسود قلق من حصول مجازر في البلدة تكون بمثابة الشرارة التي تؤدي الى استعار الفتنة المذهبية الدرزية – السنّية التي يتعاظم التكهن في شأنها خلال هذه الفترة، مع ملاحظة أنّ الاعلام الاسرائيلي هو الجهة الاساسية التي تنفخ في نارها.