هل يكون للبنان رئيس جديد للجمهورية مطلع السنة الجديدة، ومن يكون هذا الرئيس المقبول من كل الاطراف ليكون قوياً؟
لقد التقت القوى السياسية الأساسية في البلاد على أن يكون هذا الرئيس توافقيا كي يستطيع ان يحقق الوفاق الوطني الشامل، والبحث جار الآن عن هذا المرشح او عن مجموعة مرشحين تنطبق عليهم صفة التوافق على أن يترك للأكثرية النيابيّة المطلوبة انتخاب من تشاء منهم احتراماً للعبة الديموقراطية الحرة وعدم استبدالها بـ”ديموقراطية التعيين”. لكن العماد ميشال عون لا يزال هو العقدة بإصراره على اعتبار نفسه مرشح توافق ووفاق ويرفض الانسحاب لأي مرشح آخر.
والسؤال المطروح هو: هل يمكن فك هذه العقدة وكيف، ومن يستطيع ذلك ومتى؟
كان العماد عون ينتظر كلمة الرئيس سعد الحريري، فقالها في حديثه التلفزيوني الأخير بدعوته الى انتخاب رئيس توافقي من خارج 8 و14 آذار لأن لا مرشحين يحملون هذه الصفة داخل هذين التكتلين الكبيرين، وهو ينتظر الآن كلمة حليفه “حزب الله” الذي قال إنه لن يطلب من العماد عون سحب ترشيحه إلا إذا فعل هو ذلك… وحتى الآن لم يفعل.
ثمة من يقول إن العماد عون لن يسحب ترشيحه طوعاً ما لم يطلب منه ذلك “حزب الله” أو إيران، وهو ما كان يفعله كل ناخب كبير في الماضي عندما تتعقد الأمور. فقالت أميركا إنها تريد اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية بعد الاتفاق مع الرئيس جمال عبد الناصر. وقال الرئيس حافظ الأسد انه يريد الياس سركيس رئيسا للجمهورية. وقال نجله الرئيس بشار الاسد انه يريد الياس الهراوي رئيسا للجمهورية وبعده العماد إميل لحود بالاتفاق مع اكثرية نيابية كان النظام السوري يمون عليها. فلماذا لا تفعل ايران الشيء نفسه وهي حاليا الناخب الكبير ولا تكتفي بالقول إنها “لا تتدخل وتترك الأمر للبنانيين أنفسهم”… مع انها تعلم ان اللبنانيين غير متفقين، وإلا لكانوا انتخبوا رئيسا للجمهورية قبل انتهاء المدة الدستورية المحددة للانتخاب؟ أو لماذا لا يفعل العماد عون ما فعله قبله حميد فرنجيه عندما انسحب لكميل شمعون بعدما استطاع كسب اصوات نواب طرابلس فرجحت كفته عليه؟ ولماذا لا يفعل ما فعله شمعون وريمون اده وبيار الجميل عندما كان يجمعهم “حلف ثلاثي” فانسحبوا لسليمان فرنجيه لأن فوزه كان مرجحا على منافسه الياس سركيس، وكان كل همّ أركان ذاك الحلف ان يفوز مرشحهم في الانتخابات الرئاسية على المرشح الشهابي، لأن أياً منهم، على رغم ما يمثل شعبياً وخصوصاً في بيئته، لا يستطيع الفوز، وهذه هي حال العماد عون اليوم. فهل يقتنع بالواقع والحقيقة وينسحب للمرشح الذي يعتبره توافقياً ومنفتحاً على الجميع ولا خصومات له، وهو الرجل المناسب لهذه المرحلة الدقيقة التي تحتاج مواجهتها الى وحدة صف وكلمة، والى وحدة وطنية قوية ومتماسكة لأنه بها وحدها يحافظ على لبنان المستقل السيد الحر ويحقق الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، ويستطيع التصدي لأي شكل من أشكال الارهاب ولأي عدوان خارجي؟
إن القرار هو الآن عند العماد عون، فهل يتّخذه ومتى من دون انتظار أي خارج يطلب منه ذلك ليكون له وحده فضل إنقاذ لبنان من غول الفراغ الشامل الذي يبتلع الجميع، ويكون له وحده فضل صنع رئيس للبنان من ان يكون هو الرئيس الذي يصنعه الخارج، وان يكون حارس الجمهورية ومنقذا إياها بدل ان يكون رئيسا لها؟ فإذا لم يفعل، فإن على “حزب الله” ان يحضر عندئذ جلسة انتخاب رئيس للجمهورية كما حضر جلسة التمديد لمجلس النواب، ولم يتضامن مع “التيار الوطني الحر” في التغيب عنها، وإلا تحمّل الحزب ومعه إيران مسؤولية تعرض لبنان لأخطار جسيمة، ليس في مؤسساته فحسب، إنما في وجوده وكيانه، حتى إذا ما زال، لا سمح الله، زال معه آخر معقل للحرية وآخر ملاذ للمضطهدين وآخر أمل للوجود المسيحي في هذا الشرق. وعلى العماد عون ان يتذكر ما قاله في مقال له وهو في فرنسا تحت عنوان: “إن التاريخ سيحاسبنا على أفعالنا”، فليعمل إذاً للتاريخ ويقول ماذا يريد ثمناً لانسحابه؟ أيريد رئيساً ينال بركته؟ أيريد قانوناً للانتخاب يحقّق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين في المراكز الادارية والأمنية والعسكرية فيعوض خسارته الرئاسة بشعبية مسيحية؟ هل يريد حصة كبرى ام انه لا يريد الا نفسه… وكفى المرشحين شر التنافس؟