أصبحت الامتحانات الرسمية على الأبواب، وبات القلق يلفّ الجميع من آباء وأمّهات وأساتذة، وأضف إلى اللائحة هذا الموسم، المراقبين، بعد قرار وضع كاميرات المراقبة في مراكز الامتحانات الرسمية، والبدء بتنفيذ ذلك بالفعل. فبالنسبة لمن تراقب التلامذة خلال الامتحانات الرسمية منذ عهود، والتي أصرت على عدم ذكر اسمها: «أنا آخذة عا خاطري كتير، معقول ما في ثقة فينا وبقيامنا بواجباتنا؟ هيدا شي بيزعلني كتير». ما هو قلق الامتحانات الرسمية؟ كيف ينعكس على التلامذة والأهل؟ ما هو انعكاس كاميرات المراقبة في المراكز؟ كيف نخفّف من وطأة ذلك؟
يبدأ الأهل والأساتذة وإدارات المدارس بالتهويل حول استحقاق الامتحانات الرسمية قبل حلول الموعد بسنة، فبحسب رفيق :» سوف أخضع لامتحانات الشهادة الرسمية هذه السنة، إلّا أنّ أمي بدأت بتنبيهي على ضرورة الجديّة في دروسي منذ بداية العام الماضي، بقولها: «انتبه السنة الجايي عندك تقديم بالدولة، مش مزحة»، وأنا منذ حينها أشعر بالارتباك والقلق والخوف، ما الذي علي فعله؟ لماذا تنبّهني أمي لهذا الأمر؟ هل ثمة خطر؟ والآن وقد اقترب موعد الاستحقاق، وازداد خوفي كثيراً، إذ بالإضافة إلى التركيز على الدرس والحفظ ومراجعة أسئلة الدورات السابقة، أصبح علي الانتباه من الكاميرات التي وضعت في الصفوف، والتي قد تتسبّب في رسوبي في حال استدرت يميناً أو يساراً».
«التقديم الرسمي» كما يسمّيه التلامذة والأهل هو استحقاق تتوقّف حياة الطلاب وأهلهم معه لفترة من الزمن، فلا خروج، لا مناسبات عائلية أو اجتماعية، لا نشاطات ولا زيارات. حتى أنّ البعض يمنعون أولادهم من مشاهدة التلفزيون واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي. إلّا أنّ هذه الضوابط تزيد الضغط النفسي والقلق والخوف لدى الطلاب، وتجعلهم يشعرون بعدم الراحة والتعب الدائم، وقد يميلون أحياناً إلى الإحباط النفسي، كما قد يولّد ذلك اكتئاباً لدى البعض.
في فترة ما قبل الامتحانات عامةً، يحتاج الطلاب، وخصوصاً أولئك الذين يدرسون لساعات طويلة إلى الترويج عن النفس، إلى الخروج من تلك الدائرة لزيادة قدرتهم على الاستيعاب والتركيز والحفظ.
الأوضاع العامّة بين الطلاب وأهلهم في فترة ما قبل الامتحانات
يأخذ الأهل مسؤولية الدرس للامتحانات على عاتقهم، فلا يكتفون بمنع أبنائهم الطلاب من المشاركة بالنشاطات والترفيه والرياضة، بل يحبسون أنفسهم أيضاً، في جوّ من القلق، ما ينعكس إرباكاً وتوتراً ليس فقط على من لديه استحقاق، بل على جميع أفراد الأسرة؛ فتسود العصبية، وعدم القدرة على التواصل، ويعيش الجميع جوّاً مشحوناً لا يعرفون متى ينفجر.
يشعر الطالب وكأنه في سجن، محكوم عليه بعدم الخروج منه، وعدم التلهّي مع الأصدقاء والرفاق، حتى أنّه يتناول طعامه بسرعة قياسية، كما يخفّ معدل ساعات نومه، فينتقل من المكان الذي يدرس فيه مباشرة إلى غرفة النوم، وينهض باكراً جدّاً، ويتناول فطوره، دون إضاعة الوقت ليبدأ من جديد.
يغوص الآباء والأمهات في مسؤولية الطلاب تجاه الامتحانات الرسمية، ما يُشعر الأخيرين بعدم الالتزام الفعلي بالاستحقاق. من هنا ندعو الأهل إلى متابعة حياتهم بشكل طبيعي خلال تلك الفترة من حياة أبنائهم، مع الاستعداد لدعمهم ومساعدتهم عند الحاجة.
الحالة النفسية للطلاب في فترة الاستعداد لـلامتحانات
قليلون جدّاً الذين لا يشعرون بالخوف والقلق والتوتر والإحباط، كما نلاحظ اضطراباً في الشهية لديهم، فيزيد استهلاك التشيبس والشوكولا لدى البعض، فيما يمتنع آخرون عن تناول وجباتهم الأساسية. كما يعاني المقبلون على الامتحانات الرسمية من اضطراب في النوم، فتقلّ ساعات النوم ونوعيته، ويشتكون من الأرق والكوابيس والأحلام المزعجة المتعلّقة بالامتحانات. وروى لنا لؤي كابوساً راوده قبل الامتحانات: «حلمت بأنّني خلال الامتحانات أدرت ظهري بسبب سعلة مفاجئة، فإذا برجال الأمن يرون ذلك بواسطة الكاميرات، فيأتون ويخرجونني بالقوة من الغرفة».
أضف إلى ذلك قلق الامتحان والخوف من الفشل أو النسيان أو عدم القدرة على التركيز، ولا شكّ في أنّ وجود كاميرات المراقبة يشكّل عاملاً إضافياً يقلق الطلاب؛ ناهيك عن وجودهم في أماكن غريبة عنهم، وتواجد القوى الأمنية المسلحة.
تقول إحداهنّ: «أتذكّر يوم كنت على وشك دخول الامتحان، وبينما كنت أقوم بمراجعة الدرس الأخير في مادة الجغرافيا، تناول أستاذ حكمت الكتاب من يدي وقال لي: «ما درسته في البيت هو ما سوف تتذكّرينه في الداخل، كلّ ما عليك فعله الآن هو التنفس والسيطرة على الذات، والتركيز على أسئلة المسابقة»، وهذا فعلاً ما على الطلاب ان يقوموا به.
نمرّ مرور الكرام على محطات كثيرة في حياة أبنائنا، دون الانتباه إلى أنّها تشكّل تمريناً وتحضيراً لحياتهم المستقبلية، فكما يكونون اليوم في مراحل امتحاناتهم، كذلك يكونون في المستقبل القريب، أثناء استلامهم وظائف معيّنة، وتعيينهم في مراكز ومراتب؛ لذلك لنتعاطَ مع الموضوع كما نتمنّى لهم أن يتفاعلوا مع حياتهم المستقبلية بدون قلق وخوف وتوتر.