رغم مرور سبعين عاماً على الجريمة التاريخية، لا يزال إلقاء القنبلة النووية الأميركية فوق مدينة هيروشيما اليابانية، وقنبلة أخرى بعد ثلاثة أيام فوق ناكازاكي، من أفظع ما تم ارتكابه خلال الحرب العالمية الثانية، يفوق في الفظاعة ودرجة الإجرام ما ارتكبته عصابات أدولف هتلر في المحارق التي تبقى وصمة عار على جبين البشرية.
وإذا كان الألمان قد دفعوا، وعن حق، ثمن ما ارتكبه نظام نازي، مارس الإجرام باسمهم، فإن ما ارتكبه الجيش الأميركي بحق الشعب الياباني ظل من دون عقاب. ولم يكن تكرار تلك الجرائم في فيتنام، ولو من دون سلاح نووي، سوى تأكيد على أن إلقاء القنبلة النووية فوق اليابان لم يدفع الى أي يقظة ضمير، بل على العكس، هناك اصوات اميركية، يتحدث بعضها باسم طبقات «مثقفة»، تعتبر الى اليوم ان إلقاء القنبلتين فوق هيروشيما وناكازاغي كان ضرورياً لوضع حد للتورط الياباني في الحرب، كما انه شكل نقطة النهاية لتلك الحرب ووفر بذلك مزيداً من ارواح الجنود الأميركيين واليابانيين على السواء. حتى ان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الأب) رفض مرة الاعتذار لليابانيين قائلاً انه يعتبر ذلك «مراجعة للتاريخ لا معنى لها»!
وعلى رغم الجدل التاريخي حول الدوافع الفعلية وراء خروج اليابان من الحرب، وما اذا كان ذلك بسبب إلقاء القنبلتين النوويتين فوق رؤوس اليابانيين ام بسبب دخول الاتحاد السوفياتي في الحرب ضدهم، الا ان ما يثير الاشمئزاز هو غياب الشعور العام بين الأميركيين بالذنب وبالحاجة إلى الاعتذار عما ارتكبه جيشهم. بل على العكس، هناك إصرار على «الحق» في استخدام هذا السلاح الفتاك من أجل أهداف «إنسانية». وكأن مئات الآلاف من الذين قضوا بنتيجة تلك الجريمة ليسوا بشراً، فضلاً عن الملايين الذين ظلوا يعانون من آثار الإشعاع النووي، التي لا تزال تسبب الأمراض الى اليوم.
تمثلت الولايات المتحدة أمس في إحياء ذكرى قنبلة هيروشيما بسفيرتها في طوكيو كارولين ابنة الرئيس الأسبق جون كينيدي وبنائبة وزير الخارجية لضبط التسلح روز غوتيمولرن، وهي ارفع مسؤول اميركي يشارك في هذه المناسبة. وأمام حشد كبير مثّل مئة بلد وقف رئيس الوزراء شينزو ابي يدعو الى عالم من دون سلاح نووي، وكان يريد ان يكون لكلماته وقع خاص، باعتباره يتحدث باسم الدولة الوحيدة التي تعرضت للقصف بهذا السلاح. غير ان السلاح النووي موجود اليوم في ايدي عدد من الدول، بعضها يعتبره سلاحاً للردع، فيما تراه دول أخرى سلاحاً لضمان البقاء. ومن المستحيل إقناع أي من الفريقين بالتخلي طوعاً عن هذا السلاح.
لقد شكلت جريمة هيروشيما درساً للعالم بأن القدرة البشرية على التوحش لا حدود لها، ومن هنا خطر امتلاك السلاح النووي من قبل دول تسمي نفسها «مسؤولة» او من قبل تنظيمات يعتبرها العالم ارهابية. فإذا كان رئيس الولايات المتحدة هاري ترومان لم يتردد في اعطاء الأمر بإلقاء القنبلة النووية فوق اليابان، من دون اي هدف عسكري واضح لذلك، فهل هناك من يشك في أنه لو امتلك اسامة بن لادن مثل هذا السلاح، لكان قد تورّع عن استخدامه فوق نيويورك عام 2001، والأمر ذاته يمكن أن يقال عن ابو بكر البغدادي الذي «يضطر» الى استخدام اساليب بدائية مثل الذبح والحرق بحق خصومه، لأن الظروف لم تسمح له باقتناء سلاح نووي حتى اليوم … بل هل من يشك في استعداد إسرائيل لاستخدام سلاحها النووي (عليها وعلى أعدائها) لو شعرت يوماً بأن بقاءها معرض للخطر؟