تُتابع الأوساط اللبنانية أنباء المفاوضات القائمة بين الحكومة وخاطفي العسكريين، ويُسارِع اللبنانيون وأهالي المخطوفين الى تقصّي الحقائق وحركة الموفد القطري، في وقت تَحرص الحكومة على السريّة سَعياً الى حماية المفاوضات، ما يَعوق انطلاقها لضمان سلامتهم وإطلاقهم. ماذا يقول مفاوض سابق عن تجربته مع «داعش»؟
يتوَسّع مفاوض سابق مع الجبهات الإسلامية المُنغمسة في الأزمة السورية في الحديث عن حجم العقبات التي واجَهته، وتلك التي تُواجه أيّ مكلّف بمِثل هذه القضايا. ويُصرّ على التشكيك في الروايات التي تصِله والطروحات التي لا تستند الى خلفيات واقعية طالما أنها لم تحمل بعد شروطاً واضحة ومواعيد محدّدة للإفراج عنهم والثمن المطلوب.
لذلك، وهو بحُكم علاقاته السياسية والأمنية السابقة، نَسَج علاقات مميّزة مع مَن يتعاطون بهذه القضايا في لبنان وفي أكثر من دولة في العالم والمنطقة، فيتلقّى من وقت لآخر معلومات مُشفّرة متناثرة ومتقطعة يعمل على تفكيكها وقراءة رموزها بدقة، نظراً لِما تحويه من إشارات الى حجم العقبات التي يجب معالجتها لتؤسّس الى حوار سليم وهادف، يبدو أنه ما زال بعيداً قياساً على حجم ما تلقّاه من مؤشرات سلبية حتى اليوم.
ومَردّ التشكيك الدائم في كلّ ما تلقّاه ويَتلقّاه عمّا آلَت إليه المساعي المبذولة، اعتقاده الراسخ أنّ المفاوضات الحقيقية لم تبدأ بعد، وأنّ كل ما حدث ويحدث لا يمكن اعتباره أكبر من بداية التأسيس لمرحلة المفاوضات، ومَسعى لتحديد آلية العمل التي ستحكم المراحل المقبلة، وهي برأيه مرحلة معقدة وطويلة الأمد لا يمكن التكهّن بمدى ما ستستهلكه من طروحات وأفكار يمكن أن تتبدّل أو تتبَخّر بين يوم وآخر.
لذلك، هو يعتبر أنّ الحديث الذي تبادَلَه حتى اليوم الوسيط القطري وغيره من الغَيارَى أصحاب المبادرات من جهة مع الخاطفين من جهة أخرى، لا يعدو كونه بداية استكشاف للمهمة التي لا يمكن تقدير مراحلها التنفيذية من الآن.
فهذه القضية تحوي تعقيدات تتّصِل بطبيعة الأزمة السورية وتعقيداتها الدينية والخارجية، وأصدائها اللبنانية وانعكاساتها على الداخل اللبناني، فضلاً عن انقسام اللبنانيين المُكلّفين مواجهتها، عَدا عن حَجم تشابُكها مع واقع إقليمي وسوري متفجّر.
وعلى المفاوض اللبناني أن يعترف كل لحظة بأنه لا يحاور جهة رسمية مسؤولة تحترم التزاماتها وتعهداتها، وعليه احتساب المصاعب والمطبّات التي يمكن أن يلتقيها تِباعاً والتي يمكن أن تُهدّد كلّ ما أنجز أو جزءاً منه في لحظة من اللحظات.
فالتجارب السابقة دَلّت الى سهولة أن تتخلّص الجهة الخاطفة من التزام ما عن طريق إخفاء المفاوض أو إقصائه أو قتله أحياناً، فتتبخّر كل الوعود السابقة. فالجماعة الخاطفة لا تعيش في منطقة مستقرّة، وتضطر الى التنقّل بين منطقة وأخرى قياساً بحَجم العمليات العسكرية التي تدور في محيطها.
وبناء على ذلك، على المفاوض اللبناني والوسيط القطري أن يحتسبا مثل هذه المفاجآت في كل لحظة، مؤكداً أنّ التجربة هذه المرة ستكون مختلفة عن سابقاتها، فهو يتلمّس لدى الخاطفين مخططات أخرى، منها سَعيهم الى زَرع الشقاق بين أبناء لبنان وإذكاء الفتنة المذهبية وتحريض المواطنين، عَبر الأهالي، على الحكومة والجيش، وتقطيع أوصال الوطن من خلال تقطيع الطرق الدولية.
ويضيف المفاوض السابق أنّ أخطر ما يهدف اليه الخاطفون هذه المرة، يَكمُن في السّعي الى تفكيك الجيش، وحَضّ فئة منه على الانشقاق، وبَثّ روح الفتنة المذهبية، والايقاع بينه وبين قِوى مسلحة أخرى من أصحاب مشاريع الأمن الذاتي المحلي والإقليمي.
كما أنهم يراهنون على أدوار لمجموعات صغيرة وسريعة التنقّل تستهدِف مواقع الجيش وعناصره في غير منطقة، عَدا عن سَعيهم الى تجديد عمليات الاغتيال التي يمكن أن تطاولَ رموزاً سياسية وحزبية ودينية.
لذلك، يختم المفاوض أنّ الجهات الرسمية السياسية والأمنية باتت في هذه الأجواء وتَتحسّب لها ولمواجهتها، إذ ليس سهلاً على الخاطفين تحقيق ما يريدون. فالمقايَضة التي يحلمون بها يدركون أنها بعيدة المنال، وسَعيهم الى المَسّ بوحدة الجيش ومنعَة البلد مجرّد أمنية لن تتحقق، وستحمل الأيام المقبلة مزيداً ممّا يؤكّد فشلهم في تحقيق ما يَصبون اليه، أمّا مصير العسكريّين فهي مسألة أخرى قد تطول أو تَقصُر، لكنّ المَسّ بسلامة أيّ منهم لم يعد أمراً عابراً.