خلط اعادة طرح أسماء شخصيات مستقلة لرئاسة الجمهورية الأوراق الرئاسية من جديد، وقلب المعادلات وفتح الأفق نحو مرحلة جديدة قد تنهي أزمة الشغور الرئاسي على حدّ قول مصادر سياسية متابعة، ففي الكواليس السياسية برز مجدداً اسم كل من قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والوزير السابق جان عبيد، كون المهلة التي أعطيت للأقطاب الأربعة الموارنة لاختيار رئيس لم تنتج أي اتفاق بل كانت نتيجتها الوحيدة «الفشل»، فمنذ أكثر من سنتين حتى اليوم لا زالوا عاجزين عن ايصال رئيس قوي -كما أرادوه- للمرة الأولى (بعد الطائف) صنع في بكركي مع مباركة بالطبع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري والدول الصديقة.
اذاً حتى الآن فشل القادة المسيحيّون في اختيار رئيس للجمهورية، واللافت تضيف المصادر أن الخلاف هذه المرة جاء من البيت السياسي الواحد، فبالرغم من كون المرشحين الأبرز للرئاسة من فريق 8 آذار، الاّ أنّ هذا الأمر لم يكن حافزاً لهم ليتّفقوا، وعلى عكس المتوقع أهدروا فرصةً ثمينة في الوصول الى بعبدا وازدادوا تشرذما داخليا.
ففيما لم تستطع قيادات الثامن من آذار حسم الأمر بين المرشحين سواء بالتوافق أو بالذهاب نحو الاسم الذي يحظى بتأييد وطني شبه جامع، لم يكن حال فريق الرابع عشر من آذار أفضل، اذ غرّد كل مكوّن في صوب، فمن جهة تبنى الدكتور سمير جعجع ترشيح أبو «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون للرئاسة مباشرة بعدما سمى الحريري من الخارج رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، أما الكتائب فرفضت المرشّحين واقترح رئيس الحزب أسماء جديدة مثل الوزير السابق زياد بارود والعميد شامل روكز والمهندس نعمة افرام…
اذاً، ترشيح كل من فرنجية وعون، الذي كاد ان يكون نقطة تقدم لفريق 8 آذار، قلب المعادلات السياسية وانعكس تشرذما داخل التحالفات السياسية الكبرى، مسقطاً 8 و14 آذار، وقد ترجم هذا الامر خلال التحالفات الانتخابية البلدية.
أما بالعودة الى المرشحين الذين عادوا الى الواجهة الرئاسية من جديد، وفي معلومات لـ «الديار» رجّحت أن يكون الاسم الأوفر حظاً بين الثلاثة لبلوغ كرسي الرئاسة هو جان عبيد وذلك كون مواقفه السياسية داعمة للمقاومة في لبنان اضافة الى أنّه قريب من الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون.
مع هذه المعطيات الجديدة هل يرضخ القادة الموارنة الى واحد من الأسماء الثلاثة المطروحة وتسقط بالتالي الفرصة الذهبية للثامن من آذار في اعتلاء الرئاسة؟
من جهتها، لم تناقش مصادر «التيار الوطني الحر» مطوّلاً رأيها بالمرشحين الثلاثة أو حتى بغيرهم، بل حسمت أنّ مرشحها الأوحد هو العماد ميشال عون، وانها لا تبحث في الأسماء الأخرى ليس انتقاصاً من كفاءة الآخرين انما كون الجنرال يستحوذ على الأكثرية المسيحيّة اضافة الى أنه مدعوم رسمياً من «حزب الله» وحزب «القوات اللبنانية» والعديد من القادة والأحزاب السياسية مما يجعله مرشحاً توافقياً جامعاً.
أما مصادر مقرّبة من «تيار المردة» فاعتبرت أنّ ترشّح العماد عون والنائب فرنجية لا يعني بتاتاً الذهاب الى شخص ثالث، مؤكدةً أن فرنجيّة مستمر بترشّحه الا في حال كان هناك اجماع وطني على شخص آخر فلن يكون عقبة.
وشدّدت المصادر على أن ورود أسماء من خارج الأقطاب الموارنة لرئاسة الجمهورية أمر تم تخطيه، مؤكدة أن المسيحيين اجتازوا معركة مهمة جداً كونهم فرضوا على المستوى السياسي والوطني العام رئيساً منبثقاً من الوجدان المسيحي ومقبول لدى الآخرين، وذكرت المصادر باجتماع بكركي الذي جمع الأقطاب الموارنة بالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي قبل انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس، وكان العنوان كيفيّة اشراك المسيحيين في القرار السياسي، مطالبةً بعدم العودة عن هذا السقف الذي رسم في بكركي ووافق الجميع عليه آنذاك.
ورأت المصادر عينها أنّ حل الأزمة الرئاسية كان سهلا جداً بانتخاب فرنجية الذي هو على يمين 8 آذار والمقبول من يمين 14 آذار، لولا وجود عقبة اسمها ترشيح الجنرال عون.
وعن موقف «حزب الله» الداعم لعون، أبدت المصادر تفهّمها للحزب والتزامه الأخلاقي مع الجنرال، لكنها توجّهت الى العماد عون بسؤال عن سبب رفضه التخلي عن ترشحه لصالح فرنجية مذكرةً اياه أنه «عام 2009 حين حاز العماد عون على 70% من التأييد المسيحي تنازل لرجل لا يمثّل الميثاقية المسيحية وهو رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان، الا يفرض أن العماد عون الذي بات يمثّل في الـ 2016 حوالى 49% من المسيحيين أن يتنازل لشخص يمثّل الميثاقية المسيحية وهو ميثاقي وحليفة السياسي عوضاً أن يستخدم تأييد جعجع له لتعطيل وصول فرنجية؟ فلماذا لا يقدم الجنرال على ما أقدم عليه عام 2009؟».
أما من ناحية «القوات اللبنانية» فنفت علمها بما يتم طرحه في الكواليس عن أسماء جديدة لرئاسة الجمهورية، وأكّدت مصادرها أنّ مرشحها حتى الآن هو العماد عون ولا تستطيع تكهّن ما يمكن أن يحصل في الفترة المقبلة.
أما الكتائب غير الراضية عن الأسماء الثلاثة المطروحة في الكواليس حالياً، تفادت اعطاء رأيها بشكل مباشر و تحججت « بان لا خبر لدينا »،فاعتبرت بداية أنّه في الوقت الراهن لا يمكن أن يكون كل من العماد قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة مرشحان رسميّان لرئاسة الجمهورية كونهما يشغلان وظيفة من الفئة الأولى. والحجّة الثانية التي اعطاها مصدر في «الكتائب» هي أن لا برامج انتخابية بعد لأي مرشّح ليختار الحزب منهم على أساس برنامجه والخطوط السياسية العريضة التي سيسير بها.
وأوضح المصدر أنّ لا فيتو من «الكتائب» على اسم أي مرشّح، لكنّها لا تريد رئيساُ وسطياً ضعيفاً لا يملك موقفاً أو رؤيا، ودوره يقتصر على ارضاء الجميع. وذكّر المصدر بحديث رئيس الحزب في أكثر من مؤتمر صحافي أنّه مع رئيس جامع وقوي يستطيع معالجة الملفات الراهنة، وأن يكون المستقبل أمامه، عصري، ليس أسير الماضي والتاريخ.
ونفى أخيراً أن يكون الاتفاق في بكركي نصّ على أن يكون المرشّح فقط من بين الأقطاب الموارنة الأربعة.
في المحصّلة، اجماع لافت للأقطاب الموارنة على رفض الأسماء المطروحة كلٌّ لأسبابه، فهل سيعيد التاريخ نفسه ولو أتى متأخراً هذه المرة، ويتم تعيين رئيس للجمهورية «ما بِزَعّل حدا» على غرار أسلافه في دوحة جديدة؟