لم ينس اللبنانيَّون لحظة ما حصل الساعة الأولى إلاّ خمس دقائق من بعد ظهر يوم الرابع عشر من آذار. ولن ينسوا أن رفيق الحريري، الذي استهدفه ذلك الزلزال الشرّير، هو منقذ لبنان. بل هو من استعاد لبنان من براثن الحروب والدمار والخراب والمتآمرين على وحدته، وصيغته، ونظامه، وموقعه على خريطة العالم.
ولا يمرُّ يومٌ، أو تحلُّ أزمة، أو يتهدَّد البلد الدائم الاستهداف خطر محدق، إلا ويحضر ذكر الشهيد الكبير.
ولطالما ردَّد الناس، في الشدائد والأوقات العصيبة، لو كان رفيق الحريري موجوداً الآن لَمَا كان حصل ما حصل. ولَمَا حمل اللبنانيّون، بمختلف انتماءاتهم، همَّ السؤال عمَّن سيعالج، ويُصلح، ويُعيد الأمور الى نصابها. ومع ابتسامة مشعَّة بالأمل والتفاؤل، مما يدفع الكبار قبل الصغار الى القول: مع وجود صاحب هذه الابتسامة الواثقة لا خوف على لبنان.
كل يوم أكثر من يوم يزداد شوقُ المواطن العادي الى طلَّة ذلك الرجل الذي غادر الأسطورة لسنوات عدّة، ثم لم يلبث أن عاد اليها.
خلال تلك الحقبة التاريخيَّة التي طُبِعَت بشخصيَّة الحريري، “أُصيب” لبنان بداء جديد يُدعى داء الفرح. أو داء الطمأنينة. أو داء الثقة. وكان يتردَّد على كل الألسنة في كل الأمكنة “ما دام رفيق لبنان موجوداً، فان السفينة اللبنانيَّة في أمان مهما اهتاجت الأنواء، ومهما حاول الحاسدون والحاقدون”.
وكم وكم نردِّد في هذه الأيام، وكم ردَّدنا خلال ما سبقها من أيام وأحداث ومظالم وانتكاسات، لو كان هذا الرجل النادر الوجود موجوداً الآن لما كان خضع لبنان لهذه التجارب والمصائب.
حتى في غيابه نسترجعه عند كل منعطف. عند كل أزمة. عند كل دهياء تستهدف هذا اللبنان الذي يتقلَّب على جمر الفراغ الرئاسي منذ تسعة أشهر، تجدنا نتطلَّع صوب قريطم. كما لو أننا على موعد دائم مع حضوره… كان يمكن أن يكون انجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس جديد هو الهديَّة اللائقة باستقبال الذكرى العاشرة لغياب عاشق لبنان ومنقذه.
ولكن، ولكنَّ الواقع اللبناني في هذا اليوم، في هذه الذكرى، في هذه المرحلة المظلمة هو عكس ما نتمنّاه. وما يحتاج اليه لبنان. وما يستحقُّ الرئيس الشهيد أن يطمئن اليه.
فالبلد الذي ناضل رفيق الحريري طوال سنوات في سبيل استرداده من الأسر، وبذل الغالي والأغلى من أجل اعادة صياغته بأسلوب حديث لا يخلو من الفخامة والحداثة، هذا البلد هذا اللبنان هو الآن ومنذ أشهر وسنين في حال يرثى لها، وفي وضع لا يختلف عن مركب تائه بين الأنواء، ضاع ربّانه، أو خطُف.
إنما هذا كله لا يجوز أن ينسينا الحوار الثنائي بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، والذي بدأت ثماره تظهر على الجدران، وعلى الوجوه أيضاً.
وإذا ما قيِّض له أن يستمر، فقد يقدِّم للرابع عشر من شباط هدية حرزانة مع مفعول رجعي.