إذا رصَدنا الأحاديث الأخيرة لغالبية السياسيّين، وجَدنا أنّ عبارة واحدة تتكرّر على ألسنة الجميع، فهل هي توارد أفكار أم «عدّة الشغل» أم هناك معلومات إقليمية أو داخلية تفيدهم أنّ شيئاً ما سيحصل نهاية السنة؟ هل هناك إشارات فعلية تجعلهم يتخوّفون أو ينبّهون أو يؤكدون أنّ متغيّرات جذرية سترافق نهاية السنة؟ أم أنّ هناك إشارات وَصلتهم أو بُلّغوا بها عبر السفراء دفعتهم الى الإستنتاج بحصول متغيّرات في الوضع العام؟
الرئيس نبيه برّي أشار، خلال لقاء الأربعاء النيابي، إلى أنّ المراوحة لا يُمكن أن تستمر وأنّ الاهتراء أصابَ المؤسسات وسينعكس على المواطنين والوضع القائم والنظام المعهود في البلاد، محذّراً من أنّ الوقت ليس لصالح الجميع، وأنّ مخاطر الوضع الاقتصادي داهمَت لبنان. فهل استشرف برّي في سرّه أو في «عَلنه» أنّ الوقت ليس للصالح العام، فحَدّد مدة زمنية أقصاها شهران قبل بدء التغيير في المعادلات المعروفة؟
أمّا رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع فقد أقرّ في لقائه الأخير مع «الجمهورية» أنّ الوضع قاتم، وأنّ الوقت ليس لصالح الجميع بما فيهم «حزب الله» الذي دعاه الى الإسراع في «انتقاء» رئيس الجمهورية الذي «يناسبه» قبل أن ينقلب وضع لبنان رأساً على عقب، معتبراً أنّ الحزب لن يكون بخير اذا لم يكن لبنان بخير.
وكان البارز في كلام جعجع تأكيده ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي خلال الاشهر المقبلة، وإلّا سيُنسى بعد شهرين مع بدء التحضيرات للانتخابات النيابية بحيث ستُعتبر الحكومة مستقيلة بعد إنجازها ولن يكون هناك رئيس لإجراء استشارات تأليف حكومة جديدة وسندخل في المجهول.
ولم يتردّد جعجع في التحذير من ثورة شعبية قد تحصل بسبب الفساد وفراغ المؤسسات، فهل استشرف بحسّه السياسي شيئاً في الأفق أم أنه تبلّغ معلومات من بعض السفراء أم وَصلته إشارات؟
إشارات خارجية
إمكانية حدوث تسوية في المنطقة خلال الشهرين المقبلين، لفتَ اليها أيضاً بعض المحللين الذين لحظوا مؤشرات كثيرة في هذا السياق، من أبرزها:
1 – تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وتحديداً قوله في أول آب إننا سنبشّركم بالاتفاق الذي سيحصل بيننا وبين الروس، لكنه لم يعلنه في آب لأنّ معركة حلب سبقته في 26 تموز، فيما يصرّح الروس اليوم أنّ الاتفاق بات قريباً بينهم وبين الولايات المتحدة لرسم الخريطة في سوريا.
2 – المؤشر الثاني: التقارب التركي- الروسي، علماً أنّ اللجان العسكرية بين الطرفين تجتمع يومياً.
3 – المؤشر الثالث: إنطلاق الطيران الروسي من إيران، وهذا الواقع يعتبر نقطة ضعف إيرانية.
ويلفت المحللون الى أنّ هذه مؤشرات تدلّ على تعاون اميركي مع مختلف الأطراف المشاركة في الأزمة السورية بسبب تلاقي المصالح بينهم، مؤكّدين حاجة الولايات المتحدة الى عنصر مساعدة سواء من سوريا او من العراق لمقاتلة «داعش»، وكلّما خفَّ التوتر بين النظام وبين المعارضة يمكن إدارتهما اكثر في اتجاه «داعش»، وبذلك تخفّف واشنطن الحِمل عنها وتُقصّر مهلة تدخّلها في سوريا لأنّ اهتمامات الولايات المتحدة اليوم أصبحت في مكان آخر.
ويعتبر المحللون أنّ هذه المؤشرات تدلّ الى أنّ المنطقة لا يمكن أن تستمر بهذه الطريقة وأنّ القوى الكبيرة التي توجّه الأحداث تريد الوصول الى تفاهمات، لأنّ الازمة اصبحت مُكلفة للجميع.
فالولايات المتحدة يهمّها وضع جهودها في أوروبا والباسيفيك، كما تريد بَذل المجهود الأكبر في افغانستان ولا سيما سَحب جنودها من هناك الذين يبلغ عددهم 10000 عسكري بعدما اتخذت قراراً العام الماضي بسحب 5000 منهم لكنها لم تستطع تحقيق ذلك.
وبالتالي، يرى المحللون أنّ كل هذه القرارات والتفاهمات يمكن أن تنعكس تسويات على الوضع السوري، ولبنان ليس بعيداً عن الحل السوري. وبالتالي، من الممكن أن تنعكس إيجاباً عليه او سلباً، فكلما خفّ الضغط على سوريا سيرتاح الوضع الداخلي اللبناني تلقائياً.
المؤشر الرابع: خطاب نصرالله
يعتبر المحللون أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله هو من أكثر الشخصيات المهمة التي تملك معلومات في الداخل اللبناني، ويلاحظون أنّ خطابه الاخير لم يكن إعتيادياً، إذ لم يكن هجومياً كالعادة، بل تكلّم عن تفاهمات حتى مع «داعش» والمعارضة السورية، مُلمّحاً الى ضرورة إيجاد حلّ في المنطقة، الأمر الذي قرأه المحللون تراجعاً تكتيكياً أو تعباً في مكان معيّن، ولا سيما بعد خسارة النظام في حلب كيلومترات لم يستطع حتى الساعة استرجاع متر واحد منها على رغم القصف الجوي الموجّه نحو المعارضة.
ويقول المحللون إنّ هذه المؤشرات تؤكّد تعب مختلف الأفرقاء بلا استثناء بعدما أصبحوا عاجزين، بل غير قادرين حتى على إرسال أيّ عسكري الى أيّ مكان، الأمر الذي يفرض «الذهاب نحو التهدئة او التسوية»، لكن من دون الحديث عن حلول جذرية.
أمّا محاولة مصر استعادة دورها الاقليمي عبر إرسال وزير خارجيتها سامح شكري الى لبنان، فتندرج أيضاً في سياق تلك التسوية المفترضة والتي تأتي بتغطية سعودية، وهذا معناه أنّ الولايات المتحدة الاميركية ليست بعيدة عن الموضوع.
تضليل روسي
إلّا أنّ المحلّلين ينبّهون من التضليل الديبلوماسي الذي دأبت روسيا على اعتماده في حروبها الاخيرة، لافتين الى التضليل الذي نجحت في التفرّد به في المنطقة.
ويسألون لماذا تتحضّر حاملة الطائرات «كوزنيتسوف»، أيّ القوة الضاربة الروسية، للقدوم الى الشرق الاوسط بعد نحو الشهر وتحمل نحو 40 طائرة «Boeing 34»؟ الأمر الذي يعني انّ القوة الضاربة الروسية ستتضاعف في المنطقة، علماً أنّ الولايات المتحدة سحبت اثنتين من أكبر حاملات طائراتها بعد علمها بقدوم المدّ الروسي. فماذا يعني هذا الأمر؟
وفق تعليق أحد الخبراء العسكريين في المنطقة: «إذا كانت هناك معلومات عن تسويات أمنية عند انتهاء العام الجاري، يجب عدم التغاضي عن إمكانية مقابلتها بمعلومات مناقضة وعن خطط أخرى لقوى مقابلة تُعارِضها وتُجابِهها ولا شيء يمنعها من التخطيط أيضاً».