نقل عن مرجع ديني قوله في مجلسه الخاص أن الحوار السني – الشيعي عبر “تيار المستقبل” و”حزب الله” إذا كان هدفه الأول المحافظة على الامن والاستقرار في البلاد وهو ما تحقق حتى الآن، فإن الحوار الماروني – الماروني عبر “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” ينبغي أن يكون هدفه الأول التوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية قبل الاتفاق على شكل الجمهورية، إذ لا معنى لجمهورية بلا رئيس لأنها تصبح كمن يهيىء “المعلف” قبل الحصان… وإذا كانت مسؤولية انتخاب رئيس الجمهورية هي مسؤولية جميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين فإنها مسؤولية المسيحيين أولا وتحديداً الموارنة لأن منصب الرئاسة الأولى يعود اليهم كما يعود منصب رئاسة مجلس النواب الى الشيعة ورئاسة الحكومة السنّة. لكن ما من مرة نشأت أزمة حول أي من هذين المنصبين كما حصل ويحصل حول منصب رئاسة الجمهورية بسبب “خلاف الموارنة وإصرار كل زعيم منهم على أن يكون مرشحاً، فضلا عن خلاف آخر حول من هو الأقوى من بينهم.. فتبقى الرئاسة الأولى شاغرة إلى أجل غير معروف إلى أن يتفقوا، في حين أن الترشح للرئاسة الاولى في الماضي كان يقتصر على مرشحين اثنين او ثلاثة على الاكثر لأن للرئاسة هيبتها ومكانتها ومسؤوليتها بحيث ان ليس كل ماروني هو مؤهل لأن يترشح لها فتصبح كثرة المرشحين “شرشحة” وإسقاطاً من قيمتها ومكانتها فالمسؤولية التي يضطلع بها رأس الدولة وهو رئيس كل السلطات والساهر بعين يقظة على تطبيق الدستور تطبيقاً دقيقاً وكاملا نصاً وروحاً، هي مسؤولية كبرى ليس في استطاعة أي مرشح الاضطلاع بها.
ويذكر أن الراحل العميد ريمون اده تلقى ذات يوم اللوم عندما حمّل رؤساء الجمهورية الموارنة مسؤولية مصير الأوضاع في لبنان، فقيل له إن رئيس الحكومة المسلم هو شريك في هذه المسؤولية أيضاً، فردَّ اده بأن رئيس الجمهورية بما يتمتع به من صلاحيات واسعة في الدستور (قبل الطائف) هو المسؤول وحده لأنه هو الذي يعيّن الوزراء ويسمي رئيساً من بينهم، وهو الذي يحل مجلس النواب ساعة يشاء وأن من يمتلك هذه الصلاحيات وغيرها يكون وحده مسؤولاً عن مصير الوطن سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وهي صلاحيات حالت دون تحميل المسؤولية ذاتها للشريك المسلم. وإذا كان لبنان ليس للموارنة فينبغي أن يكونوا هم للبنان قبل غيرهم لأن لا وطن لهم سواه وعليهم المحافظة عليه وأن يتحملوا هذه المسؤولية حتى وحدهم.
أما ولم يعد رئيس الجمهورية اليوم يتمتع بالصلاحيات الواسعة بموجب دستور الطائف، فإن المسؤولية باتت مشتركة بين المسيحيين والمسلمين.
والسؤال المطروح هو: ماذا ينتظر رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ليقرر مع العماد ميشال عون انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن بعدما أخذ استمرار الشغور الرئاسي ينعكس سلباً على سير كل المؤسسات وعلى دور كل سلطة ويضع لبنان امام المجهول؟ أفلا يكفي عام من الشغور لاتخاذ قرار صار الاتفاق عليه قبل الشهر في لقاء الأقطاب الاربعة في بكركي ولكن بعضهم لم يلتزمه، والمهم فيه ان يتفق هؤلاء الأقطاب على مرشح واحد منهم وإلا عليهم أن يذهبوا إلى مجلس النواب وللأكثرية فيه انتخاب مَن تشاء منهم، أو من سواهم رئيساً بالاقتراع السري.
لذلك، فإن على عون وجعجع تقع مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي إذا لم يتخذا قراراً سريعاً يخرج لبنان من أزمة الانتخابات الرئاسية التي يفتح استمرارها الباب على أزمات حادة مستعصية تذهب بلبنان إلى المجهول. فعوض استمرار الخلاف على “تشريع الضرورة” وعلى تعيينات عسكرية وأمنية وادارية وديبلوماسية، وانتظار هزة كلما انعقد مجلس الوزراء فيضع الناس ايديهم على قلوبهم خوفاً من سماع نبأ استقالة وزراء من الحكومة، فإن مفتاح حل كل هذه الخلافات هو في انتخاب رئيس للجمهورية، إذ لا ضرورة تعلو فوق ذلك. وإذا كان لزعماء لبنانيين علاقة أو ارتباط بخارج وينتظرون قراره، فان مسؤولية العماد عون الذي يقول إن قراره حر وغير مرتبط بأحد تصبح أكبر إذا لم يتخذ القرار خصوصاً بعد مرور عام على الشغور الرئاسي، لا ان يكون للزعماء الموارنة في كل انتخاب قرص… وإذا كان المسلمون وتحديداً الشيعة، مسؤولين عن الأمن العسكري في لبنان، فإن المسيحيين وتحديداً الموارنة مسؤولون عن أمنه السياسي.