Site icon IMLebanon

ما الذي يقلق حرّاس الإرهاب بالمنطقة؟

  

«العالم كله ممتن لجهودكم في محاربة الإرهاب»، بهذه الكلمات تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترمب لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد أربعة أيامٍ من إلقاء القوات السعودية الخاصة القبض على زعيم تنظيم «داعش» في اليمن (أبو أسامة المهاجر)، كما أعلنت قيادة التحالف. من يتابع نمو وتمدد الحركات الأصولية وطريقة حركتها يرى تحولاتٍ عملية وميدانية بسبب حدثين اثنين أساسيين؛ أولهما: الحرب المشروعة في اليمن ضد الإرهابيين («الحوثيين»، و«القاعدة»، و«داعش»). ومعلوم أن اليمن كان بؤرة الإرهاب في المنطقة، ونقطة انطلاق للتنظيمات المسلحة، تمركزت في مدن وساحات، وغشت مجالس القبائل، واشترت الولاءات، وتنظيم «القاعدة» في أبين وجد مساحته حتى جاءت الحرب الضرورية التي كسرت ظهور التنظيمات وفتت في عضدها. وثانيهما: مقاطعة قطر من قبل الدول الأربع، إذ ساهمت بشكلٍ كبير في تجفيف منابع تمويل إرهابية واسعة، إذ لم يعد بإمكان أي فصيلٍ أن يتحرك بسهولة، لقد أدت المقاطعة وظيفتها الكاملة، وأسفرت عن خنق شديد لعنق الإرهاب ومموليه، وآية ذلك أن أبرز المدافعين عن قطر ضد المقاطعة هو الأمين العام لـ«حزب الله».

جميع المنتقدين لمنهج السعودية المعتدل لهم علاقاتهم الإرهابية، وبخاصة فلول «الإخوان المسلمين»، إذ نشهد حركة ممانعة ضد السعودية لأنهم يعلمون أن الإصلاح الفكري ونشر التنوير حين تتبناهما المملكة فإن ذلك يعني التأثير الشامل على العالمين العربي والإسلامي، فهي دولة لها وزن استراتيجي وثقل تاريخي ونفوذ سياسي، فهي ليست من الدول الطارئة، أو الأنظمة المارقة، ولا ضمن محاور الشر، يعلمون أنها إذا قررت التغيير فإن أثرها سيشمل الدول الإسلامية المتعددة.

والمقلق لحراس الإرهاب في المنطقة أن مشروع التغيير والتطور التنموي في السعودية أول من يناصره الجيل الشاب في المجتمع، والذي لم يتم استثماره بشكلٍ جيد، مما جعله صيداً سهل المنال للأصوليات بأنواعها. لم يعد هذا الجيل لقمة مستساغة للإرهابيين، بسبب من التنويع المدني الذي ضمنته الرؤية، إذ وضعت الخيارات أمامهم بين ترفيه، أو مسابقاتٍ قرآنية، ومنافساتٍ على الأذان، وأنشطة رياضية، وفنية، وثقافية، حيث تكتمل شروط المدينة، وتمتد لكل أذواق المجتمع، والحق يقال إن الذي تقوم به هيئة الترفيه بقيادة تركي آل الشيخ يعد عملاً باهراً بكل المقاييس، واستجابة المجتمع لبرامج الهيئة وأنشطتها تعد أمراً لافتاً مما ينقض فكرة قابلية الشباب السعودي للتطرف، بل إن الخيارات حين تتاح لهم فإن آخر ما يمكنهم اختياره التوجه نحو العنف أو الإرهاب.

إن مشاعر الممانعة الأصولية ضد الرؤى التنموية في المنطقة مصدرها الأساسي جماعة «الإخوان المسلمين»، نرى رموزها يقطرون حقداً على السعودية، يكتبون بألم وحرقة، يذرفون الدموع، تتفطر قلوبهم غيظاً، لأن الأبواب التي كانت متاحة لهم للسيطرة على العقول أغلقت، ولا بد من القيام بإجراءات أكبر ضد الجماعة، وعلى الحكومات العربية المعتدلة أن تستمر في إغلاق وقصف المقرات التابعة لـ«الإخوان»، ومنع كوادرها من الحضور في المجتمع، والسير قدماً نحو الحرب الشاملة غير الهيّابة للحركة الأصولية لئلا تعود إلى تأثيرها أو حضورها ونفوذها، والحرب يجب أن تكون فكرية واجتماعية وثقافية وفنية، وهذا ما تستطيعه الحكومة السعودية ضمن برامج «الرؤية».

لا يعني انحسار المتطرفين في المجال العام، وانخفاض أصواتهم انتصارنا عليهم بشكلٍ كامل، علينا ألا نقع في مصيدة الهدنة مع الإرهاب، وأن نتحدث من دون كلل أو ملل. ليست حجة راجحة تلك القائلة بضرورة وقف الحديث عن التطرف لأن الصحوة قد انتهت، بل إن الوضع الحالي أشبه ما يكون بـ«الكمون» والعمل «تحت الأرض» وتأسيس «تنظيماتٍ سرية» في كل تاريخ «الإخوان» منذ قرنٍ من الزمان حين يتم قصفهم وملاحقة أفكارهم يجبنون ويعملون بصمتٍ وبمنتهى السرية، وهذا ما يجعل البعض يغتبط عن جهلٍ بأن الإرهاب قد انتهى، وأن «الإخوان» منوا بهزيمة ساحقة، هذا غير دقيق، فالحرب سجال، والنصر أشمل من كسب جولة.

إن ما يقوم به الأمير محمد بن سلمان أمر استثنائي في المنطقة، لقد غيرت مفاهيمه كثيراً في هذا العالم، والآن نحن في الخطوات الأولى، وعلى المتطرفين إما الاستسلام والدخول ضمن مشروع الاعتدال والتنمية، أو انتظار الحرب الشاملة التي لن تجعلهم بمنأى عن المحاسبة والملاحقة، عليهم استيعاب أمرٍ أساسي، أنهم أمام موجة تغيير لن يستطيعوا الوقوف بوجهها فضلاً عن مقاومتها، وأنّى لهم ذلك؟!