IMLebanon

أياً تكن الظروف لا ملاذ للإرهاب

ليس لـ “جبهة النصرة” ولا لتنظيم “داعش” ما يجنيانه في لبنان، لا “إمارة” ولا “دولة” اذا كانا يحلمان بهما، لا في عرسال ولا في طرابلس ولا في أي مكان، مهما توافر لهما من شبان متعاطفين لأسباب شتّى لا علاقة لها بأي هدف سياسي أو ديني – جهادي أو اي شيء آخر. وإذا كانت لا تزال لديهما “قضية” في سوريا، ولا يزالان يقاتلان فعلاً ضد نظام بشار الاسد، فليعلما أن اعتداءاتهما على الجيش اللبناني هي أكبر خدمة مجانية يؤديانها للنظام. واذا كانا معنيين بالسوريين النازحين الى لبنان وبأوضاعهم، فإن ممارساتهما عادت بأوخم العواقب على هؤلاء السوريين. أما إذا اعتقد المنظّرون فيهما بأن ثمة طائفة سنّية يمكن أن ترحّب بهما لأي سبب يتخيّلانه فإن ما حصل ويحصل في طرابلس لا بدّ من أن يخيّب آمالهما.

يبقى طبعاً أن يكون التنظيمان باحثين عن الانتقام من “حزب الله” على قتاله الى جانب نظام الاسد، ومن الحكومة والجيش على اعتقال أنصار لهما، أو بسبب هيمنة “حزب الله” (ممثلاً للنظامين السوري والايراني) على القرار اللبناني. لكن الوقائع واضحة في هذا المجال، فلا الدولة ولا الجيش ولا أي طائفة يمكن أن تكون أعطت “حزب الله” تفويضاً للذهاب الى سوريا، ولا “الحزب” تدخّل هناك باسم اللبنانيين.

ومن البديهي أن “النصرة” و”داعش” لا يحظيان بأي مسوّغ لبناني سواء لاجتياح عرسال أو لتحريك صبيانهما في الشمال، فهذا مجرد عمل عصابات لا يمكن أن يُصرف في أي قضية سياسية لا في سوريا الثورة ولا في لبنان.

ما حصل في طرابلس أخيراً له وجوه عدّة. أولها أنه أثبت في الوقت نفسه وجود مخاطر حقيقية وكذلك وجود يقظة أمنية. والثاني أن البؤرة التي كثر الحديث عنها كان لا بدّ من أن تنكشف وتُواجه وتُضرب بلا هوادة بغية التخلّص منها نهائياً. والثالث كان اتضاح الفارق والهوّة بين أبناء طرابلس الذين يرفضون هذه الظاهرة، وليسوا معنيين بها، وبين هؤلاء المسلّحين الذين بلغ اجرامهم حدّ احتجاز حارات بمدنييها كرهائن. والرابع أن اللغة السياسية التي سادت اجتماعات زعماء المدينة لم تخرج عن اطار الاعتماد على الجيش والدعوة المتكرّرة الى تعزيز سلطة الدولة.

كان السؤال الذي طرحه المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى لافتاً: كيف نمت هذه المجموعات المسلحة وظهرت في ظل الخطة الأمنية؟ ويبدو الجواب في أن الخطط الأمنية لا تستطيع، بل ليس منوطاً بها، أن تعالج الإهمال المزمن للمدينة والمنطقة على مرّ العهود وتدافع الزعامات. وإذ يترافق الأمن بدعوات دائمة وملحّة الى إنعاش الاقتصاد والخدمات، فإن شيئاً من هذا لا يحصل، ولا يلبث الأمن أن يتدهور متأثراً بالصراع الدائر في لبنان كما في سوريا وبكثرة المستفيدين من توتير المدينة.