ماذا وراء استقالة الوزيرين الكتائبيِّين من الحكومة مع علمهما أنها شيك بدون رصيد
وهل كانت تبريرات رئيس الحزب مُقنعة وما علاقة الإنتخابات البلدية «بالصدمة الإيجابية»؟
السؤال: ما هي مصلحة الكتائب في إضعاف الحكومة آخر المعاقل الدستورية في زمن الفراغ؟
تعاني حكومة الرئيس تمام سلام، منذ ولادتها القيصرية، بعد عدّة أشهر من الشغور في رئاسة الجمهورية، أزمة بنيوية أدّت إلى إصابتها بالشلل والعجز عن تسيير شؤون النّاس إلى أن يتم انتخاب الرئيس، حتى أن رئيسها هدّد أكثر من مرّة بالإستقالة إذا لم يعِ الوزراء مسؤولياتهم، ويتعاونوا فيما بينهم، رغم الخصومة السياسية الحادّة من منطلق تغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية والشخصية، إلّا أن كل محاولاته باءت بالفشل، وبقيت الخلافات بين أعضاء الحكومة سيّدة الموقف، ومعها تحوّلت الحكومة غير المستقيلة إلى أشبه ما تكون بحكومة تصريف أعمال في الحدود الضيّقة جداً مما رفع منسوب الشلل الذي انعكس بدوره على المصلحة العامة، وتحوّلت الحكومة إلى «خنادق» يتبادل منها الوزراء القذائف في كل مرّة يجتمع فيها مجلس الوزراء للبحث في جدول أعماله المثقل بالقضايا الملحّة وحتى العادية في معظم الأحيان، فمن خلافات على الجدول نفسه إلى خلافات حول صلاحيات مجلس الوزراء إلى خلافات على إصدار المراسيم وعلى آلية عمل مجلس الوزراء، إلى خلافات على مشكلة جمع النفايات وما أثير حولها من شكوك، ومحاصصات ومن روائح تفوق روائح الزبالة نفسها، ورغم ذلك استمرّت الحكومة لأن أحداً من الأطراف المشاركة فيها فكّر بالخروج منها كونها آخر معاقل وقلاع الدولة، والمتنفّس الأخير الذي يضخ رئتيها بجرعات الأوكسجين وتمنع وقوع المؤسسات الدستورية للنظام في الفراغ الشامل.
وكان وزيرا حزب الكتائب اللذان قبلا في الأساس المشاركة في حكومة المصلحة الوطنية حرصاً منهما على سير المؤسسات، من أشد المعارضين لفكرة إستقالتها التي طرحها رئيسها، حتى أنه ذهب أكثر من مرّة إلى تعليق أعمال مجلس الوزراء إحتجاجاً على سوء تصرّف وزراء تكتل «التغيير والاصلاح» و«حزب الله» وتعمّدهم عرقلة عمل الحكومة ودفع رئيسها إلى الاستقالة بحيث يعمّ الفراغ في كل مؤسسات الدولة ويتحقّق بذلك مشروعهما الإنقلابي المشترك.
ومنذ تسلّمه رئاسة الحزب، تبنّى النائب سامي الجميّل نظرية الدفاع عن الحكومة ودعم بقائها لمنع وقوع الدولة في الفراغ الشامل، وتحوّل وزراء الحزب داخل مجلس الوزراء إلى دروع يصدّون بها حملات وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر والضغوطات على رئيس الحكومة لدفعه إلى الاستقالة وتعميم الفراغ في كل المؤسسات الدستورية، والتركيز في الوقت عينه على ضرورة الحفاظ عليها إلى أن يملأ الفراغ الرئاسي وتعود عجلة الدولة بكل مؤسساتها إلى الدوران بشكل طبيعي، من دون أن يلغي هذا الموقف المبدئي، اعتراض رئيس الكتائب على الأداء الحكومي ولا سيّما على أداء وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله الموغل في العرقلة، ووضع العصي في دواليب العجلة الحكومية ويدعو إلى تصحيح هذا الأداء من خلال وزراء الحزب، لأن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا النسق، ويشهد على ذلك الاعتراضات التي سجّلها الوزراء على عدد من الملفات التي يستشمّ منها رائحة الصفقات المشبوهة، والمحاصصات، مثل ملف النفايات وسدّ جنّة وغيرهما وغيرهما وفق ما أشار رئيس الكتائب في المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس، وأعلن فيه استقالة وزيري الكتائب من الحكومة.
وبعد الانتخابات البلدية والاختيارية، رأى رئيس الكتائب مدى اتسّاع الهوّة بين الطبقة السياسية والشعب، فقرّر الانتقال من ضفة هذه الطبقة إلى الضفة الأخرى، حاملاً لواء قيادة التغيير بدلاً من الاستمرار في مكانه، فكانت الاستقالة من الحكومة التي تمثّل هذه الطبقة لعلّ بذلك يُحدث كما قال هو نفسه صدمة إيجابية، تدفع بالآخرين إلى سلوك طريقه.
غير أن ثمّة تساؤلات عن المصلحة في هذا الموقف الكتائبي ضد حكومة المصلحة الوطنية بعدما باتت آخر المعاقل الدستورية، خصوصاً أن الاستقالة في زمن الفراغ الرئاسي بمثابة شيك من دون رصيد ما دام لا رئيس جمهورية يقبلها ولا جهة مخوّلة تولي هذه الصلاحية المحصورة بشخص الرئيس ولا نصّ دستورياً أو مجرّد اجتهاد يعالج الإشكالية التي على ما يبدو لم تخطر على بال المشترعين ولم تبادر إلى أذهانهم فرضية وصول أمور إدارة الدولة إلى ما وصلت إليه، وربما من أجل ذلك ولهذه الأسباب بادر رئيس مجلس النواب نبيه برّي في أول تعليق له إلى تشبيه استقالة الوزيرين الكتائبيين بالقنبلة الصوتية.