IMLebanon

ماذا وراء التحوّل في الموقف الروسي.. وكيف يشوّش بوتين على التقارب الأميركي – الإيراني؟!

ماذا وراء التحوّل في الموقف الروسي.. وكيف يشوّش بوتين على التقارب الأميركي – الإيراني؟!

مهمة بوغدانوف: تسويق تسوية «لا غالب ولا مغلوب» في سوريا

«صعوبات تواجه اندفاعة موسكو: اعتراضات سعودية وتركية وأوروبية على بقاء الأسد وعدم جهوز الأميركيين للحل»

ثمة  تحوّل واضح في أداء روسيا  حيال الأزمة السورية عكَسَه التحرّك الملحوظ للكرملين والدبلوماسية الروسية لإحداث اختراق يفتح الطريق أمام إيجاد حل للصراع الذي اقترب من عامه الرابع، في وقت يزداد المشهد تعقيداً مع سيطرة «الدولة الإسلامية» على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، وما استدعاه من نشوء ائتلاف دولي بقيادة الولايات المتحدة، ومن تغييرات في المعادلة الإقليمية التي كانت قائمة مع بدء الأزمة في سوريا.

هذا التحوّل الذي يتم تظهيره بقالب مبادرة روسية لا يأتي في سياق توافق دولي على تفويض لموسكو للعب هذا الدور، بقدر ما هو نتيجة لقلق ينتاب القيادة الروسية، وفق معطيات توافرت لمتابعين للشأن الروسي تسنّى لهم الاطلاع على ما حمله نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف خلال زيارته بيروت. فالروس يستشعرون خطر إبعادهم عن ملفات الشرق الأوسط نتيجة عاملين: أولهما، إغراقهم في الأزمة الأوكرانية التي ترافقت مع عقوبات اقتصادية أثرت على سعر صرف الروبل وأحدثت خسائر كبيرة في الاقتصاد الروسي، وتتزامن مع انخفاض حاد في سعر البترول والغاز يُفاقم من حجم الأزمة ويُهدّد بمضاعفة صعوباتها.

أما العامل الثاني، فيتمثل باحتمال التوصل إلى اتفاق أميركي – إيراني في شأن الملف النووي الإيراني يفضي إلى ترتيبات  إيرانية – أميركية – أوروبية تحمل في طياتها استبعاداً لها ولموقعها الاقتصادي، الأمر الذي يؤول إلى إضعاف تأثيرها، إن لم يكن إخراجها، كلاعب ذات وزن في المنطقة، ولا سيما في سوريا التي تُعدّ عمقها الاستراتيجي ومنفذها الرئيسي إلى المياه الدافئة، وهي خسارة  استراتيجية لموسكو لا يمكن أن تُسلّم بها. ويكمن الحذر الروسي حيال إيران من غياب التنسيق في الخطوات بين طهران وموسكو في ما خص المفاوضات النووية بين إيران والغرب. وما فاقم من هذا الحذر أن روسيا رغم كونها من ضمن مجموعة «الخمسة + 1» التي تفاوض إيران، إلا أنها كانت بعيدة عن التسوية التي جرى التوصل إليها في الرابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، والتي أفضت إلى  تمديد المفاوضات حتى حزيران 2015 والإفراج عن 700 مليار دولار من الودائع الإيرانية، في وقت رفضت معه طهران نقل تخصيب اليورانيوم إلى روسيا. وهي تخشى من أن تدفع الأزمة الاقتصادية التي تعانيها إيران وحاجة كل من طهران وواشنطن إلى التوصل لاتفاق، فضلاً عن العلاقات التاريخية، إلى صفقة تأتي على حسابها، ذلك أن العلاقة بين طهران وموسكو هي علاقة تلاقي مصالح، لم ترقَ، في واقع الأمر، إلى علاقة تحالفية صلبة، وإن كانت تعتقد أن تلك المصالح لا تزال قائمة.

تلك المخاوف دفعت بسيّد الكرملين إلى المبادرة لاستعادة زمام اللعبة. الهدف الأول المباشر هو العودة إلى المشهد مجدداً من البوابة السورية كقوة دولية نافذة في الشرق الأوسط ، في رسالة للآخرين أن أحداً غير قادر على عزلها وتجاوزها. وفي القناعة الروسية أيضاً أن إطالة أمد الصراع في سوريا - في ظل عدم قدرة النظام السوري على حسم المعركة لمصلحته مهما زُوّد بالسلاح والإمكانات وأعطي من قدرات - لن يُضعفها فقط وإن كان خصوم حليفها عاجزون بدورهم عن تحقيق انتصار عسكري، بل إن تشعّب الصراع وتفاقمه سيُسهّل خطر امتداد التطرّف إلى آسيا الوسطى وروسيا نفسها.

على هذه الخلفية، تنشط الدبلوماسية الروسية، مُعوّلة على أوراق قوّة تتجسّد في قدرتها على التأثير على جزء من المعارضة وعلى النظام في آن، ومستفيدة من تقاطع مصالحها مع تركيا، التي تتباين في مقاربتها للملف السوري مع واشنطن، الأمر الذي تسعى معه موسكو إلى الولوج من نافذة تلك التباينات، سواء مع أنقرة أو مع غيرها من الدول العربية والخليجية، لتعزيز موقعها إذا نجحت في إيجاد «تفاهمات ما» حيال سُبل حل الأزمة رغم وجود اختلافات، حتى الساعة، في الرؤية حيال سبل حل الأزمة السورية.

لكن التحرّك الروسي لا يزال - وفق المتابعين - في مرحلة استكشافية، لما يمكن أن تصل إليه موسكو مع طرفي النزاع. في الأجندة الروسية رغبة في التوصل إلى ورقة تسوية يمكن من خلالها أن تشكل منطلقاً للحل برعاية دولية.

لكن التحرّك الروسي لا يزال، وفق المتابعين، في مرحلة استكشافية، لما يمكن أن تصل إليه موسكو مع طرفي النزاع. في الأجندة الروسية رغبة في التوصل إلى ورقة تسوية يمكن من خلالها أن تشكل منطلقاً للحل برعاية دولية. قد تعقد «موسكو 1» كمقدمة لـ «جنيف 3». ليست المشكلة لدى موسكو في الإخراج الشكلي بل في استمرار تصلب الموقف من رئيس النظام بشار الأسد. فالمسؤولون الروس سمعوا كلاماً واضحاً من الأتراك، كما من الأميركيين والأوروبيين والسعوديين، بأن لا مكان للأسد في أي حل للأزمة. لم يتغيّر الموقف  من الأسد رغم الرهان على إمكان أن يدفع تبدّل الأولويات لدى الغرب الذي طرأ مع بروز الدولة الإسلامية، بحيث تنصبّ الجهود على محاربة الإرهاب، الأمر الذي فرض تحدّيات جديدة على الراعي الروسي، في ظل تحوّل أساسي شكّل انقلاباً في قواعد اللعبة التي كانت تتحكم بالمشهد السوري. ففي حين كانت موسكو تبادر كل من يفاتحها  بضرورة تغيير الأسد بالسؤال عن البديل، أضحى التفتيش عن البديل اليوم  مهمة روسية، إذا ما رغبت بالدفع قدماً لحل الأزمة السورية. تفتيش عن بديل يكون مقبولاً من الجميع، ويُشكل تقاطع مصالح لكل اللاعبين على الساحة السورية، كل بحجم نفوذه، بديل يُشكل عنوان أن لا فريق انتصر وآخر انهزم، وأن «لا غالب ولا مغلوب». وعندها يمكن لعجلة الحل أن تسلك طريقها عبر قرار دولي يصدر من مجلس الأمن يؤول إلى تبني أسس الحل وموجبات إنجاحه الذي لا يمكن أن يحصل من دون نشر قوات على الأرض بغطاء دولي، تحفظ الأمن وتشرف على إعادة ترتيب النظام وتركيب السلطة السياسة الجديدة.

مهمة غير واضح ما إذا كانت موسكو قادرة على إنجازها، وبأي ثمن، وما إذا كانت واشنطن صاحبة الكلمة الفصل ترى أن الأوان قد حان لتسوية الأزمة في سوريا التي تحولت إلى ساحة استنزاف لكل القوى المناوئة لها بالدرجة الأولى.

رلى موفّق