Site icon IMLebanon

ماذا يجري بين ميقاتي والحريري في طرابلس؟

الحوار القائم على قدم وساق بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» بهدف درء الفتنة المذهبية وتجنيب لبنان لهيب الحرائق المحيطة به ومخاطر التهجير الديني الذي كان الأشوريون آخر ضحاياه، ستكون نتائجه نسبية تراوح بين السلبية والإيجابية، إلّا أنّ المؤشرات توحي بأنّ هناك سلسلة تفاهمات سياسية في طريقها نحو الإنجاز النهائي، ظهرت أولى ملامحها من خلال الطائرة الخاصة التي أقلّت الوزير السابق فيصل كرامي إلى الرياض للإجتماع مع الرئيس سعد الحريري، والتي توقف عندها الرئيس نجيب ميقاتي والمجموعات الإسلامية في طرابلس، بالإضافة إلى مشاركة النائب بهية الحريري في إحياء ذكرى اغتيال معروف سعد في صيدا للمرة الأولى.

زوّار الرياض يؤكدون عزم الحريري على جمع الطائفة السنيّة تحت راية الإعتدال لمواجهة موجة التطرّف والتكفير ومحاربة «داعش» وأخواتها. من هنا كانت خطواته الإنفتاحية، إن جاز التعبير، في اتجاه رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد في صيدا، والوزير السابق فيصل كرامي في طرابلس، وهي من ضمن خطة مستقبلية لاستيعاب البيوتات السياسية بدأت مع تسلّم الرئيس تمام سلام سدّة الرئاسة الثالثة، وهي تشهد أخيراً تسارعاً نحو لمّ الشمل السنّي في لبنان.

لذلك يبدو الحريري متابعاً دقيقاً لمجريات الحوار مع «حزب الله»، وعيونه تتابع حوار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، إلى انشغالاته في تسليح الجيش اللبناني والحفاظ على الاستقرار الأمني والإقتصادي، وذلك كله ممرّ عبور نحو السراي طالما أنه يشعر بأنه تعرّض لمكيدة عام 2010 أبعَدته عن السلطة منذ ذلك الحين وأوصَلت الدولة إلى هذا الدرك من الترهل والانهيار.

وإذا كانت «سرايا المقاومة» هي أولى ضحايا تفاهم «المستقبل» – «التنظيم الشعبي الناصري» في صيدا، على حد قول متابعين، فإنّ سبحة الأسئلة تكرّ في طرابلس عن ضحايا حوار «المستقبل» – حزب الله، وكذلك إمكانية تفاهم كرامي و«المستقبل»، وهو خيار وارد جداً وفق ما يؤكّد المعنيون.

لا تبدو إقالة النائب خالد الضاهر من «المستقبل» بعيدة عن هذه الأجواء، كذلك اعتكاف رئيس «هيئة العلماء المسلمين» الشيخ سالم الرافعي، والتحركات على مستوى الحركات السلفية من عودة ملتبسة لبلال دقماق، فيما الشيخ داعي الإسلام الشهال خارج لبنان ينتظر تسوية ما، وصولاً الى «الغياب الأكبر» لتأثير آل عيد على جبل محسن بعد صدور حكم الأشغال الشاقة المؤبدة بحق رفعت عيد، مما يفتح آفاقاً واسعة لهذه الطائفة في التأثير والحضور الذي كان يختزله آل عيد بدعم سوري تحت شعار «حقوق الطائفة العلوية».

في هذه الأجواء، تلقّف تيار «المستقبل» المبادرة وباشر إعداد حملة تنظيمية يقودها العميد المتقاعد علي البشلاوي في جبل محسن، ويبدو أنّ اغتيال بدر عيد، شقيق علي عيد، لا يدخل سوى في إطار بثّ الفتنة على خلفية الفراغ المتوقع في صفوف الطائفة العلوية.

كل ما سبق لا يعتبر شيئاً، بل هو مقدمات أو مؤشرات لتنافس كبير مفترض حصوله بين ميقاتي وتيار «المستقبل» على خلفية التطورات السياسية الأخيرة. بالطبع ليس التجاذب الحاصل على إقامة مرآب في ساحة التل هو السبب، ولن يكون النزاع على إقامة منطقة إقتصادية خاصة وإسناد رئاسة مجلس إدارتها إلى الوزيرة السابقة ريا الحسن هو العنوان، بمقدار ما هي انعكاسات جانبية أو مقدمات في أحسن الحالات.

تصعيد ميقاتي

فمنذ فترة يلاحظ المراقبون التصعيد المفاجئ بين ميقاتي و»المستقبل»، نتيجة موقفهما المتعارض من إنشاء مرآب في ساحة التل، فكان هذا المرآب «الشعرة التي قصمت ظهر البعير»، ودفعت ميقاتي الى انتقاد «المستقبل»، وكذلك الكلام عن أنّ المشروع لن يمر مهما حصل على رغم مَونة «المستقبل» على المجلس البلدي رئيساً وأعضاء وتجاوز خلافاتهم والتراجع عن القرار والموافقة على المشروع.

طبعاً، معارضة ميقاتي ليست متعلقة بسلوك المجلس البلدي وفشله، بقدر ما هي مزايدة شعبوية في وجه الحريري بما في ذلك خطط التنمية في طرابلس.

كذلك، فإنّ الأزمة المثارة في الجامعة اللبنانية من جرّاء تعيين مدير لكلية إدارة الأعمال والأزمة المفتعلة لساحة عبد الحميد كرامي واللغط حول تسميتها… كلها تجاذبات ليست سوى مقدمات لمنافسة كبرى يستعد لها الطرفان في ظل الإعتزال السياسي غير المعلن للنائب محمد صفدي، والذي يشكّل مادة استقطاب حاد عنوانه معركة الأحجام والأوزان في طرابلس والممتدة الى الوضعية السياسية في الساحة اللبنانية.

في سياق هذا الاستقطاب الحاد، يحاول رئيس تيار «الاعتدال المدني» النائب السابق مصباح الاحدب حجز مكان له بين ميقاتي والحريري. فهناك مؤشرات إلى تقارب سياسي بين ميقاتي والاحدب، بل تؤكد المعلومات حصول أكثر من اجتماع بينهما وتضع في هذا السياق نزول الاحدب الى الشارع وقطع الطريق تضامناً مع باصات ساحة التل ورفع ص وته بلهجة غير معهودة، متوعّداً وزير الداخلية نهاد المشنوق، وغامزاً من قناة وزير العدل أشرف ريفي.

أوساط شمالية تؤكد أنّ تقارب ميقاتي – الاحدب مرده الى تحسّن علاقة كرامي بـ«المستقبل»، وكذلك بسبب حال الجفاء السائدة بين الأحدب و»المستقبل»، وتصبّ ضمن خلط الاوراق السياسية في طرابلس.

أمّا المسيحيون في طرابلس، كما في الشرق العربي، فهم يدفعون أثمان الحروب التي لا شأن لهم بها سوى أنهم مؤمنون. في المقابل، يصرّ رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون على دخول المسرح الطرابلسي لاعتبارات تتصل بحساباته الرئاسية. وفي هذا المجال يُسجّل على تيّاره الاستنسابية والإنتقائية في المواقف.

ففي الوقت الذي جالَ النائب فادي كرم على رأس وفد «قواتي» كبير على قيادات المدينة للحفاظ على نسيجها، سارعَ عون إلى تأييد عبارة «قلعة المسلمين طرابلس» المرفوعة عند مدخل المدينة في موقف أستغربه أهلها أنفسهم، طالما أنّ النسيج الأوسع يعتبرها مدينة منفتحة وحاضنة، في حين يغيب تياره عن السمع عند استحقاقات أخرى متعلقة بالمدينة وأهلها.

في المحصلة فإن طرابلس تقف على ابواب جولة جديدة من التنافس يقودها سياسيون محترفون يتقنون فنون اللعبة لتحديد هوية المدينة وهواها.

فهل تُرسّخ المنافسة القائمة وجه طرابلس المعهود أم تتبدّل الولاءات بعد تبدُّل المواقع؟ وهل يدفع أبناء المدينة اليوم ثمن جولة اخرى من جولات طرابلس أم يكونون ضحية المنافسة الأخيرة؟