ماذا يجري في منطقة الشرق الأوسط؟ سؤال طرحه على نفسه أواخر الأسبوع الماضي متابع أميركي مزمن ودقيق ومُطّلع على سياسات بلاده وممارساتها في هذه المنطقة، وعلى تطورات الأوضاع في دولها العربية وغير العربية، وحاول إيجاد جواب مُقنع عنه. وعندما نجح في ذلك اكتشف أن الغالبية من الخبراء والمطلعين حتى بعض من في السلطة في بلاده يحاولون تجاهل العناصر الكاملة للجواب، أي للقضايا والأزمات والنتائج والوقائع في هذه المنطقة الحيوية من العالم والمهمة له لأسباب عدة أبرزها النفط وأمن إسرائيل اللذان يشكِّلان عنصرين بارزين من المصالح الحيوية والاستراتيجية للولايات المتحدة.
على ماذا انطوى الجواب المشار إليه؟
على الآتي:
1 – ليس هناك شكّ على الإطلاق في أن المفاوضات حول الملف النووي الإيراني الجارية بين واشنطن وطهران كما بين الأخيرة والمجموعة الدولية 5 + 1 جيدة وتسير نحو الهدف المرغوب فيه من الطرفين.
2 – ليس هناك شكّ في أن الدول المشار إليها بدأت تجد أو تتوصل إلى أرضية مشتركة تتجاوز التوصل إلى اتفاق على المسألة النووية الإيرانية.
3 – ليس هناك شكّ في أن ما يجري يثير قلقاً كبيراً عند الحلفاء التقليديين لأميركا في المنطقة كما عند أصدقائها.
ينطلق المتابع الأميركي من ذلك كله ليقول أولاً: إن إيران تسيطر اليوم على عاصمة العراق بغداد وعلى نصف جغرافيته تقريباً. وثانياً إنها تسيطر على عاصمة سوريا دمشق وعلى نظام الرئيس بشار الأسد وعلى نصف الأرض السورية. وثالثاً إنها تسيطر على لبنان بواسطة “حزب الله” وحلفائه. ورابعاً إنها تسيطر ومنذ مدة غير طويلة على عاصمة اليمن وعلى نصف جغرافيته وذلك بواسطة عدد من المتمردين فيه وأهمهم على الإطلاق حتى الآن الحوثيون.
ويضيف أن الواقع المفصَّل أعلاه يفترض مبدئياً أن يقلق جدِّياً أميركا ودولاً عدة وخصوصاً العسكريين في قواتها المسلَّحة، ذلك أنه يكشف قدرة إيران على تعطيل المضائق في تلك المنطقة وفي مقدمها “هرمز” و”باب المندب”. كما أنه يكشف أمراً آخر أكثر أهمية ربما هو قدرتها على تعطيل مدخل الخليج الموصل إلى المرافئ والشواطئ على جانبيه وفي شبه الجزيرة العربية. وبكلام آخر، تستطيع إيران بواسطة قدرتها المذكورة التأثير سلباً على تدفق الذهب الأسود، أي النفط، من الخليج إلى مقاصده النهائية. ورغم ذلك كله لا يبدو أن هذا الواقع أثار أي قلق جدي في معظم عواصم الغرب بما في ذلك العاصمة الأميركية واشنطن. وهذا الواقع جعله يطرح على نفسه سؤالاً آخر هو: لماذا؟ والجواب عنه، كما توصَّل إليه المتابع نفسه من خلال معطيات وتحليلات ومعلومات ومن شائعات، يشير إلى أن الرئيس باراك أوباما لم يعد يصرّ على إزاحة الرئيس الأسد من السلطة كشرط سابق لأي حلّ متفاوض عليه. ويشير أيضاً إلى عدم استبعاد حصول المتمردين الحوثيين في هجومهم على صنعاء في الأسابيع الماضية على نوع من الضوء الأخضر من الولايات المتحدة ودول أخرى حليفة لها. ويدفعه ذلك إلى التساؤل الآتي: هل قررت أميركا أن تكون المناطق التي تسيطر عليها إيران الإسلامية والمذكورة أعلاه الثمن الذي تدفعه أولاً للتفاهم على الملف النووي الإيراني، وثانياً للعمل معاً لاستئصال التيارات الإسلامية الأصولية السنّية المتشددة حتى الإرهاب والعنف والتكفير؟ والدافع إلى هذا التساؤل هو التهديد الكبير أو الخطر الكبير الذي تشكِّله هذه التيارات للمصالح الحيوية لأميركا في الشرق الأوسط كما لحلفائها. وهو ثمن مقبول وإن انطوى على سيطرة جزئية على عدد من الدول. ويتبع التساؤل الأول تساؤل آخر هو الآتي: هل بدأت أميركا وحلفاؤها سلوك هذه الطريق؟ في اختصار، يعتقد المتابع الأميركي نفسه أن الدول الواقعة حالياً تحت السيطرة الجزئية لإيران سوف تصبح بعد انتهاء حروبها وأزماتها ومشكلاتها دولاً فيديرالية أو كونفيديرالية، أو مناطق حكم ذاتي. كما لا بد أن تنخرط جدّياً في الحرب التي يخوضها المجتمع الدولي ضد إرهاب المتشدّدين. طبعاً، ينهي المتابع تحليله وتقويمه وتساؤلاته بالقول إن مصر ستبقى خارج الدائرة المرسومة أعلاه رغم مشكلاتها ومعاناتها مع الإرهاب لأن الدولة فيها قديمة وعميقة بخلاف الدول الأخرى في المنطقة.