ليست مصادفة أن يتم استهداف الجيش مجددا على يد المجموعات الارهابية المسلحة في رأس بعلبك، بعد ساعات على الاعلان عن توقيف سجى الدليمي، إحدى زوجات زعيم تنظيم “داعش” ابو بكر البغدادي، وزوجة المسؤول في “جبهة النصرة” أنس شركس لدى مخابرات الجيش. وعملية التوقيف ليست الا واحدة من مجموعة كبيرة من العمليات التي استهدفت تباعاً المئات من القياديين والعناصر المهمة لدى التنظيمين الاسلاميين.
هذه الجريمة التي تأتي بعد إعلان الحكومة إطلاق التفاوض المباشر مع التنظيمين من أجل الافراج عن العسكريين المخطوفين لديها، جاءت لتطرح أكثر من علامة استفهام حول الاسباب التي دفعت التنظيمين إلى التصعيد ومدى ارتباط العملية الاخيرة بمسار المفاوضات الشاقة والمتعثرة الجارية منذ أربعة أشهر، وخصوصا أنها تأتي – للمفارقة أيضاً – بعد أيام قليلة على إنجاز عملية تبادل ناجحة بين “الجيش السوري الحر” و”حزب الله”.
ثمة أكثر من قراءة للأهداف التي يسعى مسلحو “النصرة” و”داعش” إلى تحقيقها من عمليات الاستهداف المتكرر للجيش.
في أولى هذه القراءات من يرى أنها رد مباشر على الضربات الموجعة التي يوجهها الجيش إلى هؤلاء المسلحين عبر توقيف مجموعات كبيرة وقيمة من مناصريهم تفوق المئات، وفق ما تشير إليه المعلومات الامنية المتوافرة في هذا الصدد.
وثمة من يرى كذلك أنها الوصفة الجاهزة للرد على أي من عناصر القوة التي تعول عليها الحكومة في تعاملها الجديد مع ملف العسكريين، على قاعدة ان التوقيف لا يقابله أسر بل قتل.
لكن القراءة الاكثر واقعية وقرباً إلى الحقيقة هي الرسالة الواضحة التي يوجهها المسلحون الى لبنان، حكومة وجيشاً، بأن المواجهة ستظل مفتوحة وأن الاعتداءات لن تتوقف. حتى أن بعض الامنيين يحذر من الاسوأ في ظل الحشود التي تشهدها المناطق الحدودية.
ولا تبدو مراجع سياسية بارزة بعيدة من هذه المخاوف، إنطلاقا من التقارير الامنية التي ترد تباعا عن تحركات المسلحين. وتسأل في هذا الصدد عن الأسباب الكامنة وراء تأخر وصول الاسلحة إلى الجيش لكي يتمكن من مواجهة الاعتدءات على عناصره، مشيرة إلى أن كل يوم تأخير يؤشر لتأخر في حسم التمدد الارهابي في المناطق اللبنانية.
وليس بعيدا من هذا الجو ما ينقل عن وزير الدفاع سمير مقبل الذي لا يخفي استياءه وغضبه من تأخر وصول الاسلحة. علما أن هذا الموضوع سيكون في صلب المحادثات الرسمية التي سيجريها رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الدفاع مع المسؤولين الفرنسيين خلال الزيارة الرسمية التي سيقوم بها سلام لباريس منتصف الاسبوع المقبل.
وقد طغت أجواء التفجير الذي استهدف الجيش على اجتماع خلية الازمة الوزارية لملف العسكريين، ووصف مصدر وزاري أجواء الاجتماع بـ”مكانك راوح”.
واستكمالا للقراءة الواقعية للمواجهة المفتوحة بين الجيش و”داعش” و”النصرة”، أن التنظيمين يحرصان على تأمين معابر آمنة لعناصرهما في مناطق نفوذهم. وهما يدركان تمام الادراك أن مسؤولية القضاء على مناطق النفوذ هذه التي ترسم حدودا جديدة لنفوذ الدولة الاسلامية قد أوليت في شكل مباشر إلى الجيش، وان المساعدات العسكرية التي بدأ الافراج عنها بدعم اميركي وغربي واضح (فرنسي وبريطاني تحديداً) تصب في إطار تعزيز قدرات الجيش في حربه ضد الجماعات الارهابية.
ويدرك التنظيمان أيضاً أن قيادة الجيش قد حسمت أمرها جدياً، بقطع النظر عن السلطة السياسية المترددة في خياراتها وفقاً لحساباتها المتفاوتة، في إعلانها الحرب على الارهاب وعدم تراجعها عن هذا الخيار.