IMLebanon

ما الجديد في المؤتمر العام لحركة “أمل”؟

بمنأى عن أي ضوضاء أو صخب، أنهت حركة “أمل” في الأيام القليلة الماضية أعمال مؤتمرها العام الـ13 في الضاحية الجنوبية، وأعادت وفق بيان مقتضب انتخاب هيئة الرئاسة السابقة نفسها، وأوكلت الى رئيسها الرئيس نبيه بري مهمة تسمية أعضاء المكتب السياسي والهيئة التنفيذية في قابل الأيام، على أن تصدر لاحقاً الوثيقة السياسية.

مصادر قيادية في الحركة أقرت ضمناً بأن لا جديد لافتاً في المؤتمر، وأن الأهمية الاستثنائية تتجلى أكثر ما يكون في انعقاد المؤتمر نفسه في هذه الظروف الاستثنائية بفعل اعتبارات ثلاثة: الأول أنه انعقد بعد تأجيل استمر 18 شهراً، والثاني أنه التأم في الضاحية الجنوبية وهو حدث له أبعاد ودلالات معروفة، والثالث قدرة الرئيس بري على تجاوز المخاطر والمحاذير الأمنية المعروفة التي تحف به منذ أكثر من عامين والمشاركة في أعمال المؤتمر التي استمرت يومين.

بعيداً من أي ضجة انعقد المؤتمر. الأمر يكاد يكون طبيعياً منذ أعوام عدة لأن الحركة التي قادت فعل التغيير بعد “انتفاضة 6 شباط” عام 1984 وتبوأت صدارة العمل والتأثير السياسي وقبضت بيد من حديد على المرجعية الشيعية السياسية في البلاد منذ ذلك الحين، فقدت هذه المزية تدريجاً منذ صعدت الى الواجهة قوة محترفة تنافسها وتنازعها وتأخذ مكانها لأسباب عدة، ومنذ تاهت منها القضية الكبرى التي مثلت رافعتها وارتضت لنفسها دور “حارس الذاكرة” من جهة، واكتفت بدور الهيمنة على الحصة الشيعية في الدولة ومؤسساتها ومجالاتها المتعددة حيث لها الكلمة الفصل ولها الحول والطول من دون منازع جدي لأن الطرف الآخر في قسمة الشراكة المقرة ضمنياً ترك لها هذا الميدان ترمح فيه وحيدة في مقابل أن تترك له ميادين أخرى وفي المقدمة ميدان القضية الكبرى، مع ضمان دور الدعم والاسناد متى لزم الأمر، وهو ما فسّره القيادي السابق المفصول من الحركة الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون بأنه لجوء الحركة الى كنف “حزب الله”.

من يرصد مسار الحركة في الآونة الأخيرة يستنتج أن مرحلة الحديث عن رغبة أو سعي من جسمها أو كادرها التنظيمي الى التغيير والتبديل والتطوير، توشك أن يكون همّه البحث جدياً عن أفق التطوير والتفعيل. ففي المؤتمر العام ما قبل الأخير نجح الرئيس بري في استيعاب رموز الحرس القديم أو الآباء المؤسسين الذين كان ينظر اليهم على أساس أن لهم شرعية رسم خطوط الاعتراض واطلاق حملات النقد. والثاني لأن الحركة ومنذ استقرت على صورتها الحالية قبل أكثر من عقدين من الزمن معتبرة انها أدت قسطها الى العلى، صارت أقرب الى العقلية المحافظة المكتفية بتاريخها وذاتها وامكاناتها وما قسم لها من مغانم السلطة وغنائم الدولة توزع على دائرة ضيقة من الرموز والقيادات. أنها إذاً في وضعها هذا المرتاحة اليه حركة سلطوية بامتياز، لا تملك هاجس البحث عن تطوير وفعل تحريك، فمكانها محفوظ الى أجل غير مسمى ودورها ضروري لها وللطائفة وللحزب الذي يفترض أن يكون في موقع المنافس ولكنه أرجأ الأمر.

أمر مستجد يكاد يكون وحيداً لفت اليه مشاركون في المؤتمر الأخير، وهو أنه ترك للرئيس وللقيادة أمر رفد المكتب السياسي للحركة التي تعود انطلاقتها الفعلية الى بدايات الحرب الأهلية، بعناصر شابة من داخل الحركة دون الالتزام بالتراتبية التنظيمية، والكل في داخل الحركة على قناعة بأن الانتساب الى هذه المؤسسة يكاد يكون شرفياً كون التحليل والقراءة والاستنتاج واطلاق الموقف السياسي العام هو في مكان آخر وتحديداً لدى الرئيس حصراً.

وعليه، فاذا كان من أمر أساسي يمكن الخوض في غماره فهو الموقع السياسي الذي حدّده الرئيس بري لنفسه في الآونة الأخيرة، أي منذ دفعته التطورات الدراماتيكية المتسارعة للخروج من دور موضع “كلمة سر سوريا في لبنان”، أي منذ النصف الثاني من عقد التسعينات في القرن الماضي، وعلى وجه التحديد منذ صعود نجم القيادة الحالية في دمشق والغياب التدريجي للرموز السورية التي عقد بري تجربة شراكة طويلة معها منذ صعود نجمه في مطلع الثمانينات.

لذا لم تكن الحركة “مجروحة الفؤاد” ويتملكها شعور الخاسر بخروج سوريا من لبنان في ربيع عام 2007، ولم يتملكها شعور الفجيعة من جراء اشتعال فتيل الأزمة في سوريا، حتى أن ثمة من يذكر أن بري سارع الى كبح جماح مجموعات من الحركة تحمست للذهاب الى سوريا لتكون الى جانب “حزب الله” في موقع دعم النظام.

والأمر نفسه التزمه بري أخيراً إثر اندلاع الأحداث في اليمن، إذ أبلغ من يعنيهم الأمر أنه حريص على ابقاء صلاته مع الرياض وغير مستعد لتوجيه أي نقد اليها لأكثر من سبب، فيما سرت معلومات مفادها أنه أرسل الى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله من يطلب منه ان يخفف وتيرة التصعيد مع الرياض “رفقاً بالأوضاع”. لكن قرار السيد بالخطاب التصعيدي غير المسبوق كان متخذاً أصلاً. وهكذا شاء بري ان يؤكد لمن يعنيهم الأمر أنه وان كان حليف “حزب الله” وصديق طهران، إلا أنه ليس بالضرورة تابعاً لهما في القضايا الحساسة والملفات الكبرى، فتطلعاته لا تتعدى حدود الكيان والمصلحة.

ولان بري ارتضى هذا الدور وقرر الخروج من المشاريع الكبرى والمغامرات العابرة للحدود، يكتفي الآن بدور الحارس لشؤون “حزب الله” الداخلية منذ رسمت حدود الأدوار بينهما من وقت بعيد. لذا ليس خافياً أن بري يعتبر نفسه عرّاب حوار الحزب و”التيار الأزرق” والحامي بشراسة له. وفي موازاة ذلك يضطلع بدور الرابط بين الحزب ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط والمخفف للصدمات بينهما.

وهكذا، ولأن الفعل في لبنان محدود، ولأن اللعبة في الأقليم قد كبرت جداً الى حدّ تواضع دور اللاعبين المحليين، كان لا بدّ لحركة “أمل” من أن تعقد مؤتمرها العام كيفما اتفق ومن دون صخب كما العادة أيام الصعود والدور الكبير.

قبل نحو 3 أعوام سرت في الأوساط الشيعية السياسية رواية فحواها انه تناهى الى علم بري أن ثمة في “حزب الله” من يدرس مستقبل الحركة إذا ما خلت سدّة رئاستها من بري (أطال الله عمره)، وكان استنتاج فحواه ان الحركة ستنقسم 3 أقسام: واحد سيتمسك بالبقاء فيها، وآخر لن يجد له مكاناً فيختار التقاعد، وثالث سيجد نفسه أقرب الى الحزب. فما كان من بري إلا أن رد ببداهته المعروفة بما معناه أنه سيوصي الحركيين بأنه إذا ما طرأ عليه طارئ أن يبايعوا السيد نصرالله، فكان لهذه الطرفة صداها حتى اليوم.