IMLebanon

ما الجديد في «المجلس الوطني»؟

إنجاحُ أيّ خطوة يتوقف على القيّمين عليها، وليس فقط على العوامل الخارجية والظروف السياسية المحيطة بها، فإذا كانوا جدّيين في إحداث نقلة نوعية وجريئة لا بدّ أن ينجحوا في تحقيق جزء من أهدافها المرسومة.

دخلت ١٤ آذار في الرتابة والروتين، شأنها شأن أيّ حركة سياسية تحول تعقيدات الوضع السياسي دون تحقيق أهدافها التي رفعتها، ويتحوّل معها عاملُ الوقت لغير مصلحتها، ويصبح أقصى طموحها الحفاظ على الستاتيكو الراهن.

فالترهّل الذي أصاب ١٤ آذار بهذا المعنى مبرَّر، ومن أجل الخروج من هذا الترهّل ثمة اتجاهان: الاتجاه الأول أن تنتقل الحركة الاستقلالية من المهادنة إلى المواجهة، الأمر المتعذّر اليوم نتيجة الإرادة الدولية والسعودية-الإيرانية والمحلية بتبريد الواقع السياسي، وتحويل الساحة اللبنانية إلى مساحة انتظارية لما ستؤول إليه التطوّرات الخارجية.

وبعيداً من المزايدات الشعبوية لا أحدَ لديه مصلحة بجرِّ لبنان إلى مواجهات تجعله نسخة مكرَّرة عن سوريا والعراق واليمن، ولكن شرط عدم التسليم، بالمقابل، بالأمر الواقع، ما يعني الانتقال بالمواجهة السياسية من مرحلة الهجوم في محاولة لتوسيع رقعة مشروع الدولة، إلى مرحلة الدفاع للحفاظ على ميزان القوى القائم، وبالتالي لا يمكن الخروج من هذا الترهّل من البوابة الوطنية.

الاتجاه الثاني أن تنقل الحركة الاستقلالية حيويتها من الخارج الوطني إلى الداخل التنظيمي، حيث إنّ استحالة التغيير وطنياً يجب أن تدفع إلى التفعيل تنظيمياً، وذلك بدلاً من أن تنسحب الاستحالة الأولى على الثانية. وعلى رغم الارتباط العضوي بين الجانبين، أيْ بين العمل الوطني والتنظيمي، فإنّ لا شيءَ يحول دون جعل التفعيل التنظيمي هدفاً وطنياً بحدّ ذاته.ومن ثمّ استحالة التغيير وطنياً لا تعني عدم السعي لرفع سقف المواجهة.

وفي سياق الاتجاه التنظيمي، لا تجوز الاستهانة بما يمكن تحقيقه، ويتمثل بالآتي:

أولاً، تجسيد الانتفاضة الشعبية العفوية المليونية ضمن إطار سياسي، وهذه مسألة بديهية كان يُفترض أن تتمّ منذ السنوات الأولى على الانتفاضة من أجل إنشاء إطار يشبه هذه اللحظة بتنوّعها وتعددها المدني والحزبي.

ثانياً، تنظيم الناشطين والكوادر والمناضلين المستقلين وتأطيرهم، الأمر الذي يساهم في مزيد من التفعيل والحراك والحيوية والانتاجية، خصوصاً أنّ المتضرّر الأكبر من عدم التنظيم هو ١٤ آذار بكلّ مكوّناتها، لأنّ هؤلاء الناشطين يشكلون قيمة مُضافة للحركة الاستقلالية.

ثالثاً، نقل الحيوية من المساحة الوطنية إلى المساحة التنظيمية بواسطة الانتخابات التي ستفتح أفقاً جديداً داخل ١٤ آذار على مستوياتٍ عدة، أهمها: إطلاق دينامية جديدة، تكريس مبدأ الانتخاب لا التعيين ولا التمديد، فتح باب التنافس الديموقراطي، تغليب المعيار الوطني على الفئوي، توحيد الجهود بين حزبيين ومدنيين بعيداً من النزعة العدائية غير المبرَّرة، إشعار كلّ شخص أنّ كفاءته ونشاطه هما المعبر لدوره، التأسيس للانتخابات النيابية من أجل الخروج بلائحة ١٤ آذارية موحَدة القاعدة الأساسية باختيار المرشحين فيها تكون انطلاقاً من هوية الشخصية القادرة على الفوز.

رابعاً، إبقاء الجهوزية الداخلية قائمة تحسّباً لأيّ تطوّرات، إن من موقع القدرة على المبادرة والفعل والتحرّك والتحريك، أو من موقع القدرة على المواجهة وردّ الفعل.

فهذا المجلس الذي سيبقى في حال انعقاد دائمة بهيأتيه المنتخبة والعامة سيكون مخوَلا مواكبة الأحداث بيومياتها والبقاء على تماس مع التطوّرات، وفي حال تفاعل مستمرة مع الناس.

خامساً، تشكيل قوة ضغط مزدوجة على قيادة ١٤ آذار: الجانب الأول من طبيعة سياسية لناحية تجنّب اتخاذ قرارات تتناقض مع توجهات الرأي العام الاستقلالي، وشرح الأسباب الموجبة التي تدفع لاعتماد توجّه معين. والجانب الآخر من طبيعة تنظيمية لجهة الدفع نحو جعل آلية اتخاذ القرارات على مستوى القيادة أكثرَ وضوحاً، بعيداً من التفرّد والحسابات غير المفهومة. فحان الوقت أن يكون أيّ قرار يتصل بالمشاركة في حكومة أو انتخابات نيابية مدارَ نقاش جدي وحقيقي بين قيادة ١٤ آذار.

سادساً، بمعزل عن كلّ الكلام عن وظيفة المجلس ودوره وسقفه ومهامه، فالمبادرة تبقى في يد هذا المجلس القادر وحده على انتزاع دوره وأن يكون محرِكاً وفاعِلاً ومؤثراً، أو أن يكون مضبوطاً ومقيّداً وبلا روح ولا نبض، وبالتالي الخيار أو الاتجاه الذي ستسلكه الأمور سيكون من مسؤولية أعضاء هذا المجلس.

ويبقى أنّ رمزية إطلاق «المجلس الوطني» تتمثل في أنّ جسم ١٤ آذار ما زال قادراً على التطوير والتحديث، فيما التحدّي الأساس يكمن في مدى نجاح هذا الاختبار الجديد بإزالة التمايزات بين مستقلّين وحزبيين وبين مسيحيين ومسلمين، وإعادة الفعالية لجسم ١٤ آذار، وتأكيد أنّ لبنان قابل للحياة من خلال هذه الصورة الوطنية المسيحية-الإسلامية الجامعة التي أعادت وستعيد الاعتبار لمشهدية 14 آذار 2005، في زمن يتم فيه تخويف المسيحيين من السنّة، والسنّة من الأصولية السنّية والشيعية، والشيعة من السنّة….