IMLebanon

ماذا بعد الرئاسة في «التيار الوطني الحر»؟

الانتخابات الداخلية تتأرجح بين التزكية.. والتأجيل

ماذا بعد الرئاسة في «التيار الوطني الحر»؟

حقق جبران باسيل أول أهدافه بالجلوس على كرسي ميشال عون في التوقيت الذي اختاره. لا تهم الأثمان ولا الأضرار الناجمة عن «التزكية القسرية»، ما دامت النتيجة ضمنت رئاسة «التيار الوطني الحر» في جيب وزير الخارجية.. ومن بعدها لكل حادث حديث.

هذا لا يعني أن الرجل قرر الاستكانة أو وضع رجل فوق رجل «المبايعة» التي حملته الى الموقع الأول في «التيار»، لأنه يعرف جيداً أن ما ينتظره لا يقل صعوبة عما خاضه بوجه معارضيه، وهؤلاء ليسوا بقلة، ولن يستسلموا له. فالمشروع التنظيمي لا يقف عند عتبة الرئاسة، لأن الكرسي البرتقالية ليست إلا خطوة أولى في مشوار الألف ميل، وهو مشوار مزروع بألغام كثيرة.

إذاً عبر باسيل معمودية الاستحقاق الرئاسي في «التيار» من دون تكبيد نفسه عناء الوقوف على حلبة صناديق الاقتراع، حيث بات السجال غير المضبوط بين أبناء الصف العوني حول الأسباب التي حالت دون اختبار القاعدة متعة ممارسة دورها الاقتراعي، عقيماً.. سواء كانت «عضلات» جبران باسيل هي التي قطعت الطريق أمام الانتخابات، أم خشيته من امتحان الأصوات.

كل هذا التشاطر لم يعد نافعاً بعدما أمسك الرجل بمفاصل الحزب الرئاسي الذي يمنحه صلاحيات واسعة من شأنها أن تساعده، فيما لو «اشتغلها صح»، وبكثير من الاستيعابية والانفتاح، على تثبيت حيثيته الشعبية على الأرض.

ولهذا لم يُغش كثر بمشهد 4 أيلول حيث قدّم التيار أبهى حلله التعبوية بعدما لبى العونيون نداء جنرالهم وقصدوا ساحة الشهداء من دون تردد أو تلكؤ، مع أنهم يعرفون أنّ المقصود من هذه الصورة المفصلية هو تكريس «شرعية» الرئيس العتيد وشعبيته، ليس أكثر. لكن هؤلاء يكتفون بإجراء مقارنة بسيطة بين تفاعل الجمهور لحظة وقوف الأخير أمام المنبر وبين تفاعله لحظة ظهور الجنرال من خلف الشاشة، ليقولوا: وحدها الصورة تتكلم.

ومع ذلك، يعجز هذا المشهد الملتبس عن مدّهم ببعض التفاؤل مما ستحمله الأيام المقبلة، وتحديداً في إمكانية أن يكون الاستحقاق قد ساهم في فتح صفحة جديدة في «التيار» كما كان يؤمل من التسوية التي جرت، وكما تمّ الترويج لها على أنها انتصار مزدوج للفريقين.

أذ إن المؤشرات التي توالت مذ تسليم الدّفة، ولو معنوياً، الى وزير الخارجية، لا تشي بإمكانية تحقيق هذه «المناصفة»، لدرجة أنّ كثيرين لم يعودوا يكترثون للتعديلات المقترحة على النظام الداخلي، كما ورد في التسوية، ولا يسألون عن مصيرها، وكأنّ هناك شبه قناعة أنّها ذهبت أدراج الريح.

يكتفي بعض العونيين بتسجيل واقعتين محبطتين، ليشيروا الى أنّ المكتوب يُقرأ من عنوانه: أولاً، مركزا نائبَي الرئيس اللذان كانا من المفترض أن يوائما عنوان المرحلة أي التوافق، كما وعد الجنرال، فإذ بالتسميتين تُخرجان المعارضة من هذه السلة خالية الوفاض.

ثانياً، الإجراءات الإدارية التي يُحمّل العماد عون مسؤوليتها ولو بالشكل، حيث جرى فصل مجموعة من الناشطين بعدما كان ينتظر أن يرفع الحظر عن مجموعة أخرى قديمة حجزت بطاقاتها الحزبية منذ سنوات، وكان يفترض بالتسوية أن تجد لهذه الاشكالية علاجاً نهائياً، ولكن حتى اليوم تتكدس الحجج من دون أي خطوات تشجيعية.

بهذا المعنى يتخوف كثر من أن تدخل الورشة التنظيمية في سبات مقصود، أو معلّب. وفق التعميم الذي أصدره الجنرال في شهر حزيران الماضي والذي حدد فيه مواعيد الانتخابات، فقد دعا أيضاً المحازبين الى خوض الانتخابات المناطقية في 17 كانون الثاني المقبل، بعد أن يكون رئيس الحزب قد أجرى سلّة تعيينات مركزية تطال اللجان المركزية والداخلية (بين 21 أيلول و10 تشرين الثاني)، حيث يفترض أن يكتمل عقد المجلس الوطني واستطراداً المجلس السياسي (المنتخب من المجلس الوطني) والهيئات والمجالس واللجان الداخلية كافة في 20 شباط 2016، ليصار الى عقد المؤتمر التنظيمي الأول في 12 آذار 2016.

وانطلاقاً من المؤشرات السابقة الذكر، يميل بعض العونيين الى الاعتقاد أنّ التعيينات المركزية التي سيتولاها رئيس الحزب خلال المرحلة المقبلة، قد لا تخالف المنطق الذي بدأه ولا تخرج عن هذا المسار، بما قد يزيد من حالة الإحباط نتيجة التفرد.

هكذا، لا يغيب التشاؤم عن أفكار هؤلاء الذين يخشون من أنّ يكون الخيار قائماً بتأجيل بقية الاستحقاقات الانتخابية، لا سيما تركيب المجلس الوطني، اذا لم يضمن الرئيس الجديد الأرجحية في صفوفه. وفي أحسن الأحوال قد يضغط باتجاه تعميم منطق التزكية والتوافقات المناطقية التي تخفف من حدة المعارك وتقلل من الأضرار. الا أنّ سيناريو المعارك المفتوحة التي تتيح للمعارضة إعادة تموضعها في المجلس الوطني، لا يزال ضعيفاً، وفق كثر.