تكتسب الانتخابات النيابية في الجبل، وتحديداً في دائرة الشوف – عاليه، أهمية خاصة لاعتبارات عدة، منها أنّ المصالحة المسيحية – الدرزية ستخضع لإختبار حيّ حول مدى قدرتها على تحمّل التنافس الانتخابي المتوقع، من دون أن تصاب بأضرار جانبية.
وتضمّ هذه الدائرة مزيجاً من قوى اساسية ومتنوّعة ستخوض معركة حادة بعد اكتمال تحالف الحزب التقدمي الاشتراكي، وتيار «المستقبل»، و»القوات اللبنانية»، في مواجهة قوى أُخرى كـ»الحزب الديموقراطي اللبناني» برئاسة النائب طلال أرسلان، و»التيار الوطني الحر»، ورئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهّاب وآخرين.
وإذا كان التحالف الثلاثي قد أصبح شبهَ منجز («الاشتراكي»، «المستقبل»، «القوات»)، فإنّ الجهات الأُخرى لا تزال تدرس خياراتها، وسط تعذّر جمعها كلها في لائحة واحدة، على رغم التقائها على مستوى الخط السياسي العريض.
ومن الاحتمالات المطروحة تحالف أرسلان و»التيار البرتقالي»، أو افتراقهما إذا تضاربت المصالح، فيما يقترب وهّاب من وضع لائحته المنفردة بعد إخفاق محاولات جمعه مع أرسلان.
عون منزعج من البستاني؟
أما علاقة «التيار الوطني الحر» بالوزير السابق والمرشح الماروني ناجي البستاني، فتوحي المؤشرات الى أنها تمرّ في فتور. وتردّد في هذا الاطار أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون امتنع أخيراً عن تحديد موعد لاستقباله، في دلالة على الانزعاج من سلوكه الانتخابي.
على الضفة الدرزية من المعركة، يحاول النائب وليد جنبلاط والوزير طلال أرسلان تنظيم المواجهة الانتخابية بينهما، بعد تعذّر تحالفهما ضمن لائحة واحدة. ولِئن كانت معركة الشوف-عاليه ستتّخذ طابعاً قوياً، في ظلّ ما افرزته من اصطفافات، إلّا أنّ جنبلاط وأرسلان يسعيان الى حصر بُعدها الدرزي في اطار صناديق الاقتراع تحديداً، وعدم السماح بتمدّدها الى أبعد من ذلك.
وتؤكد أوساط الطرفين أنّ العودة الى الوراء ممنوعة وأنّ المنافسة الانتخابية ستكون محكومة بضوابط مدروسة، تمنع تجاوز الخطوط الحمر والانزلاق الى أيّ نوع من انواع العداء عقب الافتراق الذي فرضته دينامية القانون الجديد.
وفي حسابات أرسلان، أنّ القانون الانتخابي النسبي المعتمَد يعطيه هامشاً واسعاً من الحرية والحركة، ويمنحه فرصة الانتقال من الدفاع الى الهجوم انتخابياً، وبالتالي فهو رفض منذ البداية عرض الحزب التقدمي الاشتراكي بالتحالف، لإقتناعه بأنّ مصلحته تقضي بتشكيل لائحة مستقلّة وعدم قبول مبدأ الائتلاف مع جنبلاط، بمعزل عن هذا التفصيل أو ذاك.
من وجهة نظر أرسلان، أنه يستطيع أن يربح مقعده النيابي في عاليه بعرق جبينه وقوته الذاتية، من دون أن يكون لأحد فضل عليه، وهذا الأمر هو تحصيل حاصل بالنسبة اليه، سواءٌ تحالف مع جنبلاط أم لا، ولذلك فإنّ حساباته باتت تتجاوز هذا الحدّ نحو محاولة انتزاع مقعدَين في عاليه (درزي وأرثوذكسي) ومقعد أو أكثر في الشوف، إذا تضافرت العوامل المؤاتية في هذا الاتجاه.
ويعتقد القريبون من أرسلان انّ الهدف الحقيقي لجنبلاط من وراء اقتراح التحالف هو استقطاب اصوات «الحزب الديموقراطي» الوازنة الى لائحة «الحزب التقدمي»، بغية تعزيز ثقلها الشعبي، وتعطيل مسعى اللائحة المضادة الى تأمين الحاصل الانتخابي الذي يسمح لها بتحقيق اختراقات. وعُلم أنّ جنبلاط أوفد قبيل فترة قصيرة النائب غازي العريضي الى أرسلان، للتشاور في الملف الانتخابي ودرس احتمال تعويم فكرة الائتلاف، لكنّ رئيس «الحزب الديموقراطي» أصرّ على موقفه. وقد استبق رئيس «التقدمي» زيارة موفده برسالة نصّية «ودّية» بعث بها الى أرسلان، على طريقته، عبر خدمة «واتسآب» بهدف خفض منسوب الجفاء المستجدّ، وتجديد التواصل الذي انقطع بينهما لبعض الوقت.
وخاطب جنبلاط أرسلان في رسالته قائلاً: «نغرف مِن بحرك، ونحفر في صخرك».. وردّ «المير» من جهته برسالة نصّية، تعكس موقفه وإنما بتهذيب، مؤكّداً أنه يرفض أن يتخلّى عن حلفائه..
وفي المعلومات، أنّ التفاوض بين أرسلان و»حليفه البرتقالي» بلغ مراحل متقدّمة وحقق تفاهماً على قضايا اساسية، فيما بقي بعض التفاصيل عالقاً في انتظار عودة الوزير جبران باسيل من استراليا لحسمها، علماً أنّ أرسلان يضع في الحسبان احتمال خوض الانتخابات بلائحة منفردة، إذا أطاحت شياطين التفاصيل فرصة التحالف مع التيار في اللحظات الاخيرة.
وهاب: «السيد» يمون عليّ
وبينما كان «التيار الحر» قد أبدى رغبة في ضمّ وهاب الى لائحته، الامر الذي يبدو صعباً حتى الآن، عُلم أنّ قيادياً في التيار سأل وهاب عمّا إذا كان يمكن أحد ان يمون عليه انتخابياً، فأجاب: «وحده السيد حسن نصرالله يمون عليّ»..
والى حين اتّضاح صورة العلاقة الانتخابية بـ»التيار الحر»، يشعر أرسلان بأنّ بعض الحلفاء الآخرين لا يجدون حرجاً في تفضيل جنبلاط عليه في عدد من الدوائر، رغم أنه الأقرب استراتيجياً اليهم.
يدرك أرسلان انّ لهؤلاء الحلفاء اعتبارات تتعلق بتبادل خدمات سياسية مع جنبلاط، أو بمحاولة «تحييده» وصولاً الى استقطابه إذا امكن، ضمن لعبة التوازنات الداخلية. إلّا أنّ واقعية أرسلان، لا تمنعه من الشعور بشيء من المرارة إزاء طبيعة الاصطفافات التي تفرضها احياناً الضرورات الانتخابية، على حساب الثوابت المبدئية.