في وقت تعجز فيه عن اعتماد استراتيجية اقتصادية تستوجبها الأزمة المالية المستفحلة، استَسهَلت الحكومة مجدداً الوصول الى جيب المواطن من خلال المَسّ باحتياجاته اليومية. بعد البنزين جاء دور “الواتساب”، وقد أقرّ مجلس الوزراء رسم 20 سنتاً على أوّل اتصال يجريه المستخدم كل يوم عبر تطبيقات الاتصال، ليصل المجموع الى 6 دولارات في الشهر.
يبدو انّ التراجع في إيرادات الاتصالات، والذي وصل الى 33 في المئة، باتَ حملاً ثقيلاً لم يعد في إمكان الحكومة تَحمّله، فعمدت الى محاولة التعويض من خلال فرض رسم يومي مقداره 20 سنتاً عند إجراء أوّل مكالمة على استخدام تطبيق واتساب المجاني، وغيره من تطبيقات الاتصال عبر بروتوكول الانترنت او video call، مثل: سكايب، viber، فايسبوك كول، فايس تايم،line، telegram ،imo tango… ليصل مجموع رسم هذه الخدمة الى 6 دولارات شهرياً، على ان يبدأ العمل بهذا القرار اعتباراً من 1 كانون الثاني 2020.
إلّا انّ هذا القرار، الذي أثار موجة غضب وسخرية في صفوف اللبنانيين، عُبّر عنها خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، دفع بوزير الاتصالات محمد شقير الى القول إنّ “الزيادة على الـWhatsapp ليست ضريبة، ولن نزيد أي شيء من دون إعطاء مقابل للمواطن”، وهو سيعقد للغاية مؤتمراً صحافياً يشرح فيه تفاصيل هذا الاجراء.
إلا انّ الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي أجمعت أمس على رفض هذه الضريبة، بل اعتبرتها خوّة للدولة التي لا تكفّ عن نهب المواطنين، والتي لا تجد سبيلاً لسد العجز سوى جيب المواطن. ويطرح هذا الاجراء مجموعة أسئلة، لعل أبرزها: هل انّ المردود المتوقّع من الرسوم على الواتساب هو السبيل لمنع لبنان من الانهيار، وكذلك الرسوم على السجائر؟ لماذا لا تقترب الحكومة من المحميّات السياسية؟ المواطن يدفع ثمن باقة خدمة الانترنت والواتساب أو غيرها من التطبيقات ضمن هذه الباقة، فلماذا على المواطن ان يدفع ثمناً اضافياً على خدمة تدخل أصلاً من ضمن باقة الانترنت كمَن يبيع سيارته ويعود ويطلب من الشاري ثمن “الزمور”؟!.
نحاس لـ”الجمهورية”
في هذا السياق، قال وزير الاتصالات السابق شربل نحاس لـ”الجمهورية”: لا عجب لصدور هكذا قرار من قبل حكومة لا تكف عن إظهار عجزها، ولا ترى حلاً سوى في سَلب الناس 6 دولارات شهرياً، وهي ستأخذ هذا المبلغ بالتساوي من أفقر إنسان في لبنان الى أصحاب المليارات، أي بنسبة الضريبة نفسها.
أضاف: لا نستغرب السير في هذا القرار، علماً أن لا علاقة لهذا القرار مطلقاً بالأزمة التي يمر بها المواطنون، والتي تتلخّص بعدم قدرتهم على سحب اموالهم نقداً من المصارف، لأنّ السلطة تحاول ان تحصل على الاموال كيفما كان. واعتبر انّ هذا القرار لا علاقة له بالعجز في الخزينة مطلقاً، بل القصة وما فيها انّ الدولة بحاجة الى الدولارات لأنّ هناك نقصاً كبيراً بهذه العملة، وهذا الرسم مُسعّر بالدولار ومن شأنه ان يرفع حجم العملة الأجنبية في البلد.
تابع نحاس: وفي عملية حسابية صغيرة فإنّ 6 دولارات شهرياً تعني 72 دولاراً سنوياً لخدمة التخابر عبر الانترنت. واذا افترضنا انّ هناك نحو 3 ملايين ونصف المليون مستخدم لهذه الخدمة، فهذا يعني انّ المدخول سيكون حوالى 240 مليون دولار، وهذا المبلغ كفيل بشراء مبنى لتاتش في سوليدير ومبنى آخر لألفا، وبهذه الطريقة ستتأمّن العدالة الاجتماعية في البلد.
أما عمّا يُروّج له من انّ القرار يخرق خصوصية المستخدمين، فقال: في لبنان قانون يحدّد ما هي الشروط التي يمكن من خلالها وضع اليد على ما يسمّى بـ “الداتا”، أي معطيات الاتصالات، وانّ هذا القانون مخروق يومياً. وتساءل هل انّ خصوصية الاتصالات محمية أصلاً في لبنان؟ حتى انّ كل من يستخدم الانترنت في لبنان او في دول العالم يسجّل فوراً المواقع التي زارها بأيّ وقت وبمَن اتصل؟ وهل هناك من لا يعلم انه يتم نقل اتصالات الخلوي في معظم الاراضي اللبنانية من برج الى آخر عبر الاثير، بما يسمح لاسرائيل بأن تتجسّس على كل الاتصالات؟
الملاحظات على الرسم
انّ كل 55 دقيقة تَخابر عبر إحدى تطبيقات الانترنت تساوي ثمن دقيقة واحدة من الاتصالات المسبقة الدفع، هذه الارقام تظهر خسارة الدولة الفادحة من الاتصالات. لذا، فإنّ فرض رسم على خدمة الواتساب ليس وليد الساعة، بل سبق وطرح مرات عدة في السابق، الّا انه رفض من غالبية الكتل النيابية. ويطرح هذا الاقتراح علامات استفهام من عدة زوايا، إذ تبين انه من ضمن الشروط التي تضعها “واتساب” في الفقرة “ج”، يمنع بيع أو إعادة بيع أو إيجار او وضع رسم على خدماتنا، وبالتالي انّ وضع رسم على هذه الخدمة هو بمثابة مخالفة مباشرة لشروط الخدمة (ToS)، ما يعني انه أمر غير قانوني.
كما أشارت SMEX (منظمة متخصصة في التدريبات في مجال التواصل الاجتماعي الرقمي، والقضاء الرقمي، وخصوصية وحقوق الإنترنت)، على صفحتها على تويتر، أنّ وزارة الاتصالات والشركات ستستخدم من خلال هذا الاجراء تقنيات تدخّلية تخرق خصوصية المستخدمين، من أجل معرفة ما إذا كانوا يجرون اتصالاً عبر الإنترنت سواء عبر whatsapp أو أي تطبيق VOIP آخر. واعتبرت أن هذا القرار يشكّل انتهاكاً لخصوصية المستخدمين، كما يُجبرهم على دفع فاتورة استخدام الإنترنت مرّتين.
الّا انّ مصادر متابعة في وزارة الاتصالات أكدت لـ”الجمهورية” انّ الترويج بأنّ فَرض رسم على خدمة الواتساب يشكّل انتهاكاً لخصوصية المستخدمين هو عارٍ من الصحة تماماً، فهناك برامج عدة مستخدمة عالمياً لحماية المعلومات، وشركتا ألفا وتاتش تعتمدها، ولا علاقة للرسم بفضح الخصوصية، والّا فإنّ كل اتصال يتم هو فضح للخصوصية، وهذا الامر غير صحيح. كما انّ وزير الاتصالات يتواصل مع العديد من الدول من اجل تأمين أحدث برامج حماية المعلومات.
كما أوضحت المصادر انّ فرض رسم على واتساب او غيرها من تطبيقات الاتصالات لا يشكّل خرقاً لشروط استخدام واتساب، فهذه الخدمة يتم توفيرها من قبل شركة اجنبية، لكن للدولة سيادتها وسلطتها ويمكنها ان تفرض على أيّ شركة تريد ان تعمل على أراضيها أيّ رسم تريده.