الأساتذة والمعلمات الذين يواجهون، منذ عامين، مئة مشكلة ومشكلة، أتتهم في اليومين الماضيين واحدة جديدة قلبت “هواتفهم” رأساً على عقب. فالواتساب عند كثيرات وكثيرين توقف فجأة “فبنّد” (من banned) والسبب طلابهم الذين يلهون في الحجر. فماذا يحصل في قطاع التربية في لبنان في زمن الحجر والإغلاق؟ وهل الدراسة “أونلاين” فتحت أدمغة الطلاب على عبقريات جديدة؟
تلقى الرقم 112 في قوى الأمن الداخلي البارحة عشرات التبليغات من معلمين ومعلمات يشتكون من تلاعب بهواتفهم. وسارعت وزارة التربية الوطنية منذ ظهر البارحة إلى الطلب من المعلمين والمعلمات الإبلاغ من خلال رقمين على الخط الساخن عن الحالات التي أصابتهم. أكثر من مئة إتصال تلقاها هذا الخط في أقل من ساعة واحدة والعاملة تؤكد: معاليه تبلّغ بالموضوع وطلب منا تسجيل كل الشكاوى لاتخاذ الخطوات المناسبة.
ريثما يتخذ معاليه الخطوات المرتجاة. ماذا في تفاصيل الظاهرة الجديدة التي هي أشبه بمعركة بين طلابٍ واساتذة، ربح فيها الطلاب على الأساتذة: واحد – صفر، وأظهرت عمق الهوة بين الطرفين واستخدام الطلاب الأساتذة ملهاة بدل أن يهتموا قليلاً بدروسهم.
ما يحصل يحتاج الى كثير من الذكاء التكنولوجي، ويقوم به طلاب غالباً كسالى، يُسخّرون الوقت والعقل في أهداف مدمرة بدل أن يصرفوا نشاطهم في أمور مفيدة. فماذا في التفاصيل التي برزت في اليومين الماضيين لكنها صنيعة أشهر من “تلاعب” الطلاب بالتطبيقات الإلكترونية الخطيرة التي تُسيء إليهم قبل الإساءة الى الأساتذة؟
بحسب الأساتذة، يستخدم الطلاب تطبيقات ترسل كلمة Hi وصورة الى معلميهم ومعها صورة، على الأرجح إباحية، وفي لحظة واحدة تختفي الرسالة ويحصل الأستاذ أو المعلمة مكانها على رسالة من واتساب تخبرهم حظر الواتساب الخاص بهم. وهذا الحظر قد يكون موقتاً أو نهائياً. ذلك لأن الطلاب يرسلون، من خلال تطبيق معين مجموعة تقارير (reports) تتعلّق بالأستاذ أو بالمعلمة الى واتساب تفيد أن المستخدم ينتهك شروط الخدمة الخاصة. ذكاء المراهقين كبير والفاتورة يدفعونها هم والأساتذة معاً.
الأساتذة تناقلوا تفاصيل هذه الظاهرة التي تتكرر معهم “واتسابياً” مبلغين عن “توالي سرقة حسابات كثير من الأساتذة في التعليم الخاص والرسمي، ما أدى الى إغلاق الواتساب كلياً وعدم استرداده، فاضطر المعلّمون والمعلمات الى شراء أرقام جديدة كانوا بغنى عن شرائها في هذا الوقت الصعب”.
وقع الأساتذة في المحظور. لكن، من يؤكد لهم ان الطلاب هم من فعلوا ذلك؟ يجزم هؤلاء “ان من يقوم بهذه الخطوة هم على الأغلب الطلاب، الذين يفرحون غالباً حين “يتلاعبون” بأساتذتهم الذين يفنون أنفسهم تجاههم كي يحظوا بفرصة التعليم وعدم خسارة السنة الدراسية”. ويسأل هؤلاء “أبهذه الطريقة يكافأ الأساتذة؟”.
أساتذة لبنان غاضبون ويطالبون المعنيين بـ “العمل على حماية خصوصية المعلم حتى لا يتم العبث بها من طلاب أقل ما يقال فيهم إنهم بلا أخلاق وإلا سيضطر الأساتذة للتوقف عن استخدام الواتساب نهائياً في عملية التعليم عن بعد حتى ولو لم يكن هناك من وسيلة أخرى لاعتمادها في التعليم”.
الأساتذة يهددون رداً على أعمال الطلاب اللا أخلاقية
نعود لنسأل: من يقنعنا ان من يفعل هذا هم طلاب لبنان؟
مصدر في قوى الأمن الداخلي، مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، تحدث عن توقيف طالب يقوم بهذه الإرتكابات. والأساتذة، من جهتهم، يحكون عن عصابة تعبث بالطلاب الذين يعبثون بهواتف معلميهم ومعلماتهم.
فلنسأل الطلاب عما يدور في كواليسهم؟ أحد طلاب مدرسة كبيرة في جبل لبنان تلقى، منذ شهر، رسالة من الواتساب تعلمه فيها بحظر الواتساب في هاتفه. أخبر والده الذي تحقق من الموضوع فتبيّن له أن ولده (11 سنة) قام مع رفاق الصف بإنزال تطبيقين يتمكنان من خلالهما من سرقة واتسابات من تركيا والولايات المتحدة الأميركية وكندا ومن سوريا أيضاً واستخدامها محلياً. والتطبيقان هما: 2nd line و text now. ويرسلون من خلالهما عبارات مختلفة من نوع: watch me فإذا أجاب المتلقي يتم إرسال أربعة reports مباشرة به فتقوم إدارة الواتساب بحظره. وهكذا يقومون “بتبنيد” (banned) الخط. وحين ينجحون يضحكون كثيراً. إنها إذاً لعبة طلاب لبنان في هذه الأيام. ويُخبر أحد طلاب مدرسة في بيروت “أنهم بدأوا في “تبنيد” خطوط في سوريا ثم بدأوا يلعبون اللعبة ضدّ بعضهم البعض. ويفاخر بالقول: نصف الخطوط باتت “مبندة”. لكن، كيف يفعلون هذا من دون أن تظهر أرقام هواتفهم الأصلية؟ يجيب “نحن نستولي على خطوط أميركية أو كندية أو تركية و”نلعب” من خلالها”. طلاب لبنان يظنون أنهم يلعبون.
الطلاب يلعبون والأساتذة يعانون والأهالي يتجرّعون يومياً العلقم بين إعادة أطفالهم الى الحياة الطبيعية وحمايتهم من الجائحة والإستمرار في تأمين اللقمة لهم. فيا لها حقاً من ايام نمرّ بها. إعلان ما يحدث قد يردع الطلاب لكنهم سيبحثون مجدداً عن سبل تقنية تكنولوجية أخرى يلهون بها. فما الحلّ؟ الواتساب يقوم بتعديل الخصوصية المتعلّقة به. والى أن يفعل، مع ما قد يحمل هذا من سلبيات وإيجابيات، فلنبحث أبعد من تطبيقي “الخط الثاني” و”اكتب الآن” اللذين كانا، مع تطبيقات أخرى كثيرة، الشماعة التي علّق عليها الطلاب مللهم في ساعات الفراغ. الطلاب يمرون بمرحلة جد سيئة والتهديدات التي تطاولهم تكنولوجياً توازي ما يمرّ به المعلمون والمعلمات وحتى تتخطاهم.
في أي حال، عشرات الإتصالات تصل يومياً الى الشركتين الخلويتين “ألفا” و”أم تي سي” حول حظر الواتساب التطبيق على خطوطهم. والشركتان ترفعان أيديهما وتحيلان الزبائن الى شركة واتساب الأم التي تبدو متعاونة لجهة السؤال والجواب لكن لا يمكن “مسايرة” الواتساب كما “نساير” ألفا والقرار فيها قرار. ثلاثة أشهر حظر. والمسائل التي تجعل الشركة تحظر مستخدم الواتساب: استخدام رسائل فيها تشهير وتهديد وإباحية وترويج للعنف وإزعاج للآخرين. وقد يكون الحظر في حالات كثيرة نهائياً دائماً.
ما لا يعرفه الطلاب أن شركة الواتساب لا بُدّ أن تكتشف، وإن تأخرت، رقم من يقوم بالفعل المُدرج تحت خانة جرائم المعلومات وحينها “ستُبنّد” رقمه أيضاً. وهذا ما حدث لطلاب كثيرين في لبنان. وماذا بعد؟
وزارة التربية تُسجل أرقام الأساتذة المحظورة. ومكتب جرائم المعلومات تلقى معلومات بها. لكن الأمر سيأخذ، الى حين يتبيّن للأستاذ الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وقتاً. في كل حال، المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي- شعبة العلاقات العامة أبلغت خلال الأشهر الثلاثة الماضية عن تلقيها شكاوى من مواطنين حول تعرض تطبيق الواتساب الخاص بهم للقرصنة من قبل مجهولين، وذلك من خلال تلقيهم رسالة نصية عبر التطبيق المذكور يزعم فيها مرسلها بأنه من شركة الواتساب ويطلب من الضحية، بحجة تجنب حظر الحساب، إتباع جملة خطوات بينها: إرسال كلمة تمّ. تتلقى بعدها الضحية رمزاً يتكون من ستة أرقام عبر رسالة نصية أو من خلال مكالمة صوتية، فيطلب منها إعادة إرسال الرمز. وبذلك يُفعّل المقرصن تطبيق الواتساب العائد للضحية على جهازه فيُصبح بتصرفه. لذا المطلوب، كان ويستمر، إهمال هذه الرسائل.
من يغص في أمور التكنولوجيا، حتى لو كان ذكياً، سيشعر بكثير من الضياع. لكن، على الطالب المراهق، حتى لو كان كسولاً، فلا شيء صعب. خصوصاً إذا كان يشعر بالضجر ويعتقد أن ما يفعله سيجعله يضحك كثيراً. طلابُ لبنان ضحكوا كثيراً والأساتذة غضبوا كثيراً. اللهمّ نجنا من أفكار الطلاب الجديدة في الحجر الجديد.