لبنان من الدول التي لا تخطيط فيها لأي مستقبل، ولا وجود فيها للدولة كي تستشرف وتدرك أي مشكلة قد تصيبنا، ولماذا تريد هذه الدولة أن تتواجد طالما أن هناك من يحل محلها ويأتي بالمحروقات والأدوية من إيران ويعدك بالكهرباء من إيران وروسيا أيضاً، وربما في الأزمة الراهنة والمتمثلة باجتياح روسيا لأوكرانيا سيعدنا بالقمح والزيت النباتي من إيران أيضاً.
في 4 آب 2020 حدث انفجار مرفأ بيروت ودمرت إهراءات القمح التي كانت تكفي كاحتياطي لمدة ٣ أشهر، وقد مضت سنة ونصف على هذا الانفجار ولم تبادر السلطة الموجودة إلى إعادة بناء الإهراءات او لتوفير سبل أخرى لتخزين القمح كجزء من الأمن الغذائي للبنان،علماً ان الحافز لذلك كان موجوداً وهو الكارثة الاقتصادية والمالية الخانقة التي عانى ويعاني منها لبنان والتي تخللتها أزمة في الطحين والرغيف، وكان الأجدى لو أُنفقت أموال من الاحتياطي أكثر مما أنفق على المحروقات المهربة مثلاً، من أجل شراء كميات أكبر من القمح وتخزينها في لبنان وخارجه للحفاظ على لقمة العيش على الأقل.
الآن يواجه لبنان وضعاً صعباً فهو كان يستورد 60% من القمح من اوكرانيا وحتى أنه كان يستورد من روسيا، ولكن الحرب الدائرة هناك عطلت بداية زراعة القمح في اوكرانيا وما تبقى لديها من مخزون قد لا تتخلى عنه، خاصة وأن تصديره في زمن الحرب قد يكون مستحيلاً، كما أن العقوبات المفروضة والتي ستفرض على روسيا قد تعرقل استيراد القمح منها، فأصبح الأمن الغذائي للبنان في دائرة الخطر لأن دولاً أخرى وحاجاتها أكبر من لبنان تفتش عن أسواق أخرى للقمح أيضاً لتشتري منها، كما أن الأسعار قد ترتفع، إضافة إلى أن الوقت المتعلق باستيراد القمح عبر البحر قد يستغرق وقتاً أطول لا سيما إذا اعتمد لبنان وحظي بفرصة لاستيراد القمح من أميركا الشمالية.
لقد رفع لبنان الصوت مطالباً بالمساعدة بهبات من القمح، وأبدى استعداداً لشراء 50 ألف طن يدفع ثمنها ولكن تبقى مخزنة خارج الأراضي اللبنانية وتُستقدم تباعاً، ولكن الأمر مرتبط أيضاً بسرعة تأمين الاعتمادات عبر مصرف لبنان وهي تقدر بـ 34 مليار ليرة وفق سعر 1500 ليرة للدولار الواحد، وهنا ترمى الكرة في ملعب الحاكم المركزي رياض سلامة في قضية لا يمكن أن تحتمل أي تأخير.
في لبنان عندما يصبح هناك دولة يجب أن تبنى إهراءات القمح في المرفأ، ويجب أن تبنى إهراءات أخرى في مرفأ طرابلس ومناطق أخرى، هكذا تفعل الدول التي تهتم لشعوبها ولأمنهم الغذائي، وليس كما يحصل في لبنان لا سلطة تهتم بالناس ولا سلطة تهتم بدولة وقراراتها، وكل ما في الأمر ارتجال وتسلية طالما أن الممسك برقابهم لديه البديل الكلامي الفولكلوري، «وقمح رح ناكل».