IMLebanon

خطّة وزارة الزراعة يعطّلها «افرام»: لا قمح هذا العام!

 

 

يمرّ الوقت خانقاً على مزارعي القمح الذين ينتظرون الحصول على بذار من وزارة الزراعة ليبدأوا بزراعة أراضيهم خلال أسبوعين كحدّ أقصى، فيما تغرق محاولات الوزارة لتأمين البذار في المكايدات بعدما رفض رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال أفرام عقد الاتفاق بالتراضي مع منظمة «أكساد»، علماً أن فريق المصلحة هو الذي اقترح استخدام نوع القمح الذي لا يتوفر إلا لدى هذه المنظمة، مطالباً بإجراء مناقصة!

 

شارفت المهلة الزمنية المحبّذة لزراعة القمح، وأقصاها 15 كانون الأول المقبل، على الانتهاء، وبذار وزارة الزراعة لم يصل بعد. مئات المزارعين حضّروا أراضيهم بالفلاحة والتسميد، وتكبّدوا التكلفة الباهظة، جداً، للوقود والأسمدة واليد العاملة، وعناء جمع المستندات المطلوبة وتقديمها إلى المراكز الزراعية، وينتظرون الآن ببالغ القلق بذور الدولة، التي تأخرت عن موعدها المحدّد للتوزيع بين 7 و15 تشرين الثاني.

 

لماذا التأخير؟ الحكاية متشعّبة، وتدفع تفاصيلها بتهديدات الأمن الغذائي المفقود أصلاً، إلى مستويات أخطر. ورئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال أفرام هنا يمارس دوره بإهمال واجباته الدنيا، التعطيل، الدعاية الشخصية وقلب الحقائق… على الأقلّ.

 

الكذبة السوداء

مع اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية، استفاقت الدولة (مرّة جديدة!) على خطر فقدان القمح الطري، المستورد بشكل رئيسي من أوكرانيا. سارعت وزارة الزراعة إلى الطلب من مؤسسات الوزارة، ومنها مصلحة الأبحاث، إعداد خطّة لتأمين جزء من حاجة لبنان للقمح الطري بالإنتاج المحلّي. وبالفعل، أعدّت الوزارة خطّة لإنتاج القمح الطري، تمتد لعدة سنوات، لتأمين أكثر من نصف حاجة المقيمين في لبنان للخبز الأبيض، والتي تقدّر بحوالي 450 ألف طن سنوياً. فيما بات لبنان يستهلك بين 800 إلى ألف طن من الطحين بشكل عام، لصناعة الخبز وباقي الأصناف المشتقة من دقيق القمح.

 

 

تبنّت الحكومة خطة الوزارة في آذار الماضي، وشرع الوزير عبّاس الحاج حسن في حملة البحث عن تمويل لشراء حوالي 400 طن من بذار القمح الطري وكلفة زراعتها. وخلال أحد الاجتماعات الحكومية، اتصل الحاج حسن بأفرام، الذي كان قد سارع إلى الإعلان عن قدرة المصلحة على تخزين كميات كبيرة من القمح، وليستفسر منه عن القدرة الاستيعابية للتخزين، فما كان من أفرام إلا التأكيد على قدرة المصلحة على تخزين حوالي 400 ألف طن من القمح. لكن المفاجأة هي اكتشاف خبراء اللجنة، المشكّلة برئاسة المدير العام لمصلحة الحبوب والشمندر السكري جريس برباري ومن عدة وزارات وجهات حكومية حقيقة كلام أفرام الدعائي، بما أن منشآت المصلحة لا تستوعب سوى بضعة آلاف الأطنان. وحين عاتب الوزير أفرام على كذبته، والإحراج الذي سبّبه له أمام زملائه وأمام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قرّر أفرام التوقّف عن الردّ على اتصالات الوزير ورفض الحضور إلى الوزارة والتنسيق مع إداراتها والعمل على إيجاد مصدر للبذار. وبدل ذلك انتقل إلى تحويل صفحة المصلحة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى منبر للهجوم على الوزير والوزارة.

 

«أكساد 1133»

في هذه الأثناء، وبعد جهد، توصّل الحاج حسن مع وزارة الزراعة الفرنسية إلى عرضها تقديم بذار القمح الطري من أصناف فرنسية مجاناً. وأرسل الوزير مندوباً إلى باريس، هو الدكتور سالم درويش، المحاضر في كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية. اجتمع سالم مع الفرنسيين وعاد بصنفين لعرضهما على مصلحة الأبحاث وأخذ الرأي العلمي. وصلت بعدها إلى الوزير اعتراضات عديدة عن مساوئ استخدام بذور أجنبية، وضرورة البحث عن بذار مجرّب في المشرق يصلح للزراعة في لبنان، فسارع الوزير عندها إلى البحث مجدّداً عن بدائل.

 

بتاريخ 28 آب 2022، عُقد اجتماع في مقرّ إيكاردا (المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة ICARDA) في منطقة تربل في البقاع، بناءً على طلب الوزير، حضره: درويش، بصفته مستشاراً للوزير، الدكتور حسن مشلب مدير إيكاردا في لبنان وفلسطين وسوريا، الدكتورة رولا العميل رئيسة فرع تحسين ووقاية الحبوب والبقوليات في محطة تل عمارة التابعة للمصلحة، والمهندس ربيع قبلان رئيس فرع إكثار البذار في المحطّة. ويشير محضر الاجتماع، الذي حصلت »الأخبار« على نسخة منه، إلى أن ممثلي المصلحة طرحوا استخدام صنف مجرّب في المصلحة سابقاً، من إنتاج أكساد ACSAD»» (المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة)، يحمل اسم «اكساد 1133». عمليّاً، كان أفرام حاضراً في الاجتماع، من خلال العميل وقبلان، موظفين في المصلحة، ومشلب، كون أفرام هو أيضاً رئيس مجلس أمناء إيكادرا منذ سنتين! وبحسب المعلومات، فإن مشلب وافق على اعتماد «أكساد 1133» بناءً على رأي مصلحة الأبحاث وتجاربها، التي أكّد ممثلاها جودة هذا الصنف ومقاومته للمرض الفطري المعروف باسم الصدأ الأصفر، لأن إيكاردا لا تملك معلومات حول هذا الصنف.

 

تأخر هبة «الفاو»

وافق الوزير فوراً على اقتراح الخبراء، وبدأ بمراسلة الفاو (منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة) للمساعدة على تأمين مبلغ مليون دولار كلفة الزراعة وتأمين البذار من أكساد، وهي منظمة عربية غير ربحية تابعة لجامعة الدول العربية ومقرّها دمشق. وسريعاً، أجاب رئيس المنظمة نصر الدين العبيد على طلب الوزير اللبناني مذكرة رسمية، مؤكّداً أنه يمكن تأمين 200 طن للبنان بسعر 1250 دولاراً للطنّ، وأن المنظمة ستتحمل كلفة النقل والتحميل والتفريغ دعماً للبنان. وافقت الفاو على تأمين مبلغ نصف مليون دولار فقط (250 ألفاً للبذار، والباقي للزراعة).

 

لكن هبة الفاو تأخرت، ولا تزال متأخرة من دون أيّ سبب (وُقّع الاتفاق مع الفاو قبل نحو شهر ولم تحوّل الأموال حتى الآن). فسارع الوزير إلى الاتصال بميقاتي سعياً لتأمين مبلغ 250 ألف دولار من الحكومة، في محاولة لتأمين نصف المليون الآخر خشية مرور الوقت، بعدما أعلنت الوزارة نيتها تقديم البذار وطلبت من المزارعين تحضير أنفسهم وتقديم أوراقهم القانونية. وافق رئيس الحكومة على تحويل اعتماد استثنائي بتاريخ 27 تشرين الأول 2022، وخاطب بعدها الوزير مصرف لبنان لتحويل المبلغ إلى اكساد.

 

نحو مناقصة عمومية

لم تعجب النتيجة أفرام، الذي رفض عقد الاتفاق بالتراضي مع أكساد متذرّعاً بقانون الشراء العام، الذي يحتّم إجراء مناقصة عموميّة مع وجود استثناءات، وخلق موجة من التحريض ضد الوزير، بينما عدّاد الوقت يمرّ على موعد زراعة القمح. ومع ذلك، التزم الوزير بالقانون وطلب وقف التحويل المالي إلى أكساد بانتظار الحصول على رأي هيئة الشراء العام التي راسلها بتاريخ 17 تشرين الثاني. ردّ رئيس الهيئة جان عليّة في 24 تشرين الثاني، بضرورة إجراء مناقصة، على اعتبار أن هناك بديلاً من هذا النوع من البذار.

 

قرار عليّة لم يغلق الباب على إمكانية عقد اتفاق بالتراضي بفعل عدم وجود بديل من هذا الصنف من القمح

 

 

في اتصال مع «الأخبار»، يؤكّد عليّة أن قراره جاء بناءً على الملفّ المقدّم، وعلى إمكانية وجود بديل من الصنف «أكساد 1133». لكنه حين علم بأن الصنف تملكه مؤسسة أكساد وحدها، وأن من اقترح الصنف هو مصلحة الأبحاث الزراعية، أكّد لـ«الأخبار» أن قراره لم يغلق الباب أصلاً على إمكانية عقد اتفاق بالتراضي كون الشرط الأخير بوجود بديل من هذا الصنف، غير متوفّر، وإن لم يرضه انتظار الوزارة حتى اللحظات الأخيرة لكي تتقدّم بالملف، ما قد يضيّع فرصة شراء البذار.

من جهته، أكّد الدكتور نصر الدين العبيد، في اتصال مع «الأخبار»، أن «أكساد 1133 هو صنف من القمح المحسّن ولا تملكه إلّا المنظمة وحدها، ولا يمكن لأحد بيعه غير المنظمة، وهو مجرّب في لبنان وسوريا وتونس ومصر». وأضاف العبيد «نحن لبّينا سريعاً طلب وزير الزراعة الذي يحاول تأمين القمح الطري للبنانيين، وسعر 1250 دولاراً للطن الواحد هو سعر الكلفة على المنظمة، ونحن أيضاً في صدد تأمين 100 ألف شجرة زيتون من الصنف الصوراني والأصناف المحلية لمدّ لبنان بها قريباً».

 

 

ما الحل الآن؟

الوقت يضيق، والأسبوع الحالي هو الفرصة الأخيرة للحصول على البذار وتوزيعه، لأن نثر البذار بعد منتصف كانون، يعني تعرّض البذور للسبات الشتوي، ما يمنع عملية التفريخ قبل بداية الربيع المقبل، حيث تنحسر ويصبح الإنتاج بحدوده الدنيا، هذا إن حصل الإنبات أصلاً. وعليه، فإن الحل هو إما السير في الاتفاق بالتراضي مع أكساد، أو اللجوء إلى إجراء مناقصة من جديد من قبل المصلحة على أصناف غير مجرّبة تمتلك خصائص مشابهة للصنف الذي اختارته المصلحة، ويمكن الحصول عليه من شركات خاصة، وهذا يبدو مقامرةً علمية واقتصادية غير معروفة النتيجة.

«صفر بذار» في مصلحة الأبحاث الزراعيّة

بلا خجل، يجيب رئيس مصلحة الأبحاث العلمية ميشال أفرام وزير الزراعة عباس الحاج حسن بداية الربيع الماضي، بأنه يملك «صفر بذار» في مخازن المصلحة، التي يندرج أصلاً في مهامها إكثار البذار لتأمين الأمن الزراعي والغذائي للبلد.

باعتراف أفرام نفسه، في مقابلة مع جريدة «الأخبار»، في آذار الماضي، أن المصلحة أنتجت في عام 2018 ألف طن من بذار القمح وقامت ببيعها إلى المزارعين الذين أنتجوا ما يزيد على 130 ألف طن. ولكنْ، لماذا لا يوجد في مخازنه أيّ بذور لهذا العام؟ ماذا زرعت المؤسسة في موسم 2021 في الـ1700 دونم التي تملكها؟ رئيس مصلحة أبحاث علمية زراعية، لم يحرّكه تدمير أهراءات مرفأ بيروت، والأزمة الاقتصادية، لتكثيف زراعة بذور القمح وبذور النباتات الأخرى التي يندر وجودها اليوم في الأسواق وتحتكرها الشركات التجارية؟ هل سمع بأزمة البذار في المنطقة العربية؟ هل سمع بالتغيّر المناخي؟ هذا قبل الأزمة الروسية الأوكرانية أساساً.

 

 

أليس معيباً أن يبحث لبنان عن 300 أو 400 طن من البذار؟ لكنّ المشكلة أن أفرام ليس لديه الوقت لهذا «الهراء»، أي إكثار البذور! فهو إما مريض، أو مشغول، لدرجة أن مفوّض الحكومة لدى المصلحة إبراهيم حاوي، يضطر إلى الاتصال بسائقه لكي يبلغه الرسائل الرسمية. لكثرة انشغالاته، يعتقد المتّصلون بأنّه يُحصي البذور في مركز الأبحاث بذرةً بذرة، بينما هو يكتب خاطرة بلغة هزيلة لا تصلح لموضوع إنشاء في الصف الخامس الابتدائي، يتغزّل فيها بذاته، ويوزّعها على مجموعة من المواقع الإلكترونية، أو يتلقّى جائزة من «دكانة دولية» مثل «WORLDCOB» التي تقدم جائرة «THE BIZZ». وهي، كما يرد على موقع المؤسسة، جائزة دعائية تُمنح للشركات ورجال الأعمال، لكي يعودوا إلى بلادهم ويحوزوا ثقةَ عملائهم لا أكثر! فهل مصلحة الأبحاث هي شركة تجارية، أم مؤسسة خاصة تابعة لأفرام؟

 

الحديث عن ميشال أفرام يطول، وفضائح المصلحة بالجملة، تحتاج إلى وظيفة بدوام عمل كامل لمتابعتها. ولن يستطيع أفرام أن يستخدم المثل القائل: «الشجرة المثمرة تُرمى بالحجارة»، لأنه ببساطة كلّ شيء مثمر إلّا هو، والدليل أن لا قمح لديه! كلّ الأسئلة السابقة كان يمكن لأفرام أن يحصل على فرصة الإجابة عليها والدفاع عن نفسه، لكنّه فضّل أن لا يجيب على هاتفه وأن يردّ على المكالمات برسائل مكتوبة بخط اليد ومصوَّرة عبر تطبيق «واتسآب» يؤكّد فيها أنه لا يظهر على الإعلام، فهو يفضّل الإعلان.

ليس أسوأ من التعليق على أفرام، إلّا ما يقوله هو عن نفسه بتاريخ 28 آذار 2021 في مطلع «تربيحه الجميلة» للبنانيين على عطاءاته السخيّة للبلد: «حصلت خلال 37 عاماً على حوالي 200 جائزة دولية، فيها فخر العرب وعشرات الأوسمة الأوروبية والأميركية ولم أحصل على أيّ جائزة لبنانية. سأضع خلفي لوحة كُتب عليها: أنا فاسد ، أنا سارق، وهكذا ربما يمشي الحال… أنا نادم لأنني لم أغتنم فرصاً كثيرة لأبقى في فرنسا أو نيويورك أو مدن عالمية كثيرة»… ونحن أيضاً!

 

مكتب الحبوب والشمندر السكري… والسوس!

لم يسمع أحد شيئاً عن مكتب الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد، منذ مدة طويلة، ولا سيما في ما يتعلق بالمزارعين الذين يزرعون القمح البلدي في غالبية المناطق اللبنانية، ولا تزال محاصيلهم مكدّسة من دون بيعها، علماً أن مجلس الوزراء اتّخذ قراراً يلزم وزارة الاقتصاد بشراء هذه المحاصيل وإجبار المطاحن على تسلّمها.

 

المدير العام للمكتب جريس برباري غائب عن السمع، ويقال إنه لا يجيب منذ فترة على هاتفه، حتى على اتصالات رؤسائه. ويدور حديثٌ في الصالونات الحكومية حول أن وزير المال يوسف الخليل لم يوافق على طلب وزارة الاقتصاد تأمين اعتماد مالي لشراء المحاصيل، وبين هذا وذاك، يتسلّل السوس الأسود من الإدارات الرسمية إلى بيوت المزارعين، ليجد أطناناً من القمح يقتاتها، بينما يقف اللبنانيون بالطوابير أمام الأفران.