تُلقي الحرب الإسرائيلية على الجنوب بظلالها السلبية وأثقالها المدمّرة على مختلف نواحي الحياة، ومع طول أمدها أكثر من سبعة أشهر، تتزايد الخسائر الزراعية كل يوم، مع تقديرات تقريبية بحجمها، إذ ما زال متعذّراً إجراء المسح الميداني الدقيق جرّاء تطوّر العمليات العسكرية في الميدان.
ويؤكد مزارعو الجنوب أن التصعيد العسكري واتّساع نطاق الغارات والقصف الإسرائيلي الذي لم يعد محصوراً في قرى المواجهة، إضافة إلى الخشية من اندلاع الحرائق مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، دفعهم إلى جني محاصيلهم قبل أوانها، خشية خسارتها بالكامل، كما جرى في مواسم الزيتون والتبغ وغيرهما.
في سهل الخيام ومرجعيون والوزاني، بدأ مزارعون كثر بحصاد موسم القمح باكراً، خوفاً من احتراقه نتيجة القصف الإسرائيلي. في العادة، يبدأ الحصاد في حزيران ويستمرّ نحو شهر، وفق ما يؤكد المزارع أبو فراس من مرجعيون الذي يملك نحو 7 دونمات.
ويضيف: «لقد سارعنا إلى حصاد القمح قبل أن يحترق جرّاء القصف الإسرائيلي العشوائي، يكفي أننا خسرنا مواسم سابقة من الزيتون والتبغ وغيرهما»، مؤكداً «أنّ المزارعين صامدون هنا في الأرض مهما كانت كلفة الخسائر، ولكن على الدولة الالتفات نحونا والتعويض علينا».
وفيما يعتبر سهلا مرجعيون والوزاني الأكثر شهرة في زراعة القمح، ويرفدان السوق المحلية بنحو 30% من حاجته، تقدّر وزارة الزراعة اللبنانية مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في لبنان بنحو 300 ألف دونم، يصل حجم إنتاجها إلى 125 ألف طن، فيما حاجة البلاد تصل إلى 550 ألف طن سنوياً.
ويقول رئيس تجمّع مزارعي الجنوب محمد الحسيني لـ»نداء الوطن» إنّ قرار المزارعين «يعود إلى خوفهم من خسارة مواسمهم من القمح كما جرى مع الزيتون والتبغ»، مشيراً إلى «أنّ حجم الخسائر الزراعية كبير لأن غالبية سكان الجنوب تعتمد على الزراعة بشكل رئيسي، والخسارة تمتدّ على ثلاث مراحل، الأولى في القرى الحدودية المواجهة من خلال النزوح واستهدافها بالقصف الإسرائيلي المباشر أو من خلال اندلاع الحرائق حيث أتلفت المواسم برمّتها، والثانية في قرى خط المواجهة الثانية من خلال النقص في اليد العاملة، وقد تأثّرت كثيراً وبعضها لم يتمّ قطافها أو حصادها، والثالثة بالانكفاء المتزايد عن الزراعة ذاتها لأنها لم تعد توفر المداخيل التي تتناسب مع ظروف الحياة الصعبة».
ويشير الحسيني إلى أن «القمح واحد من المزروعات التي انكفأ المزارعون عنها لعوامل كثيرة، ومنها أن الاستيراد يعتبر أرخص من الإنتاج المحلي، وتأخّر الدولة في إحدى السنوات عن شراء المحاصيل ما كبّدهم خسائر مادية كبيرة ودفعهم إلى الاستنكاف عن زراعته». ويؤكد «أن المزارعين في الجنوب يعيشون ظروفاً صعبة وخياراتهم ضيّقة ومحدودة وباتوا يعتمدون على معادلة عدم خسارة رأس المال، فإذا لم يستطيعوا جني الأرباح على الأقل، لا يخسرون رأسمالهم»، داعياً الدولة «إلى دعمهم وتوفير متطلبات الصمود والبقاء في الأرض والمهنة معاً».
وقد أدّى استخدام إسرائيل القنابل العادية والحارقة والفوسفورية الممنوعة دولياً، إلى إحراق ألف و60 هكتاراً من الأراضي، بينها 52 هكتاراً من أشجار الزيتون ومئات الهكتارات من أشجار السنديان المعمّرة والأشجار المثمرة، وطال القصف الإسرائيلي بشكل أساسي 45 بلدة جنوبية، ناهيك بتدمير المنازل بشكل كلّي أو جزئي ونزوح أكثر من 90 ألفاً يقيم منهم 1350 شخصاً في 18 مركز إيواء جماعي، والباقي في بيوت مستأجرة أو لجأت أعداد كبيرة منهم للسكن عند الأقارب خارج مناطق المعارك.