Site icon IMLebanon

مشروع لإنشاء أهراءات أفقيّة… أين القمح؟

 

 

مع اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في شباط 2022، استفاقت الدولة على خطر فقدان القمح الطري المخصص للخبز الأبيض المستورد بشكلٍ رئيسي من أوكرانيا. واهتمت فجأة بالأمن الغذائي الذي سقط من حسابات الحكومات المتعاقبة منذ نشأة الكيان. فوضعت وزارة الزراعة خطة تشجيعية لمزارعي القمح، تمتد لسنوات، تستهدف في نهايتها تأمين ثلث حاجة لبنان من دقيق القمح الطري، عبر إنتاجه محلياً. ورغم أنّ عمليات استيراد القمح ستبقى أساسية لسدّ حاجة المقيمين، يبدو أن هناك من لا يريد لـ«كارتيل» القمح أن يخسر شيئاً من أرباحه. فرغم انقضاء عامين على انطلاق الخطة، لم يحرز أي تقدّم بسبب أداء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الاقتصاد أمين سلام اللذين يبدوان غير معنيين بإنجاحها، لا بل إن استمرارهما في الأداء نفسه سيؤدي إلى إفشالها في حال الإحجام عن شراء محصول القمح من المزارعين هذا العام أيضاً، على غرار العام الماضي.

 

 

فبعد عراقيل كثيرة، حصلت وزارة الزراعة عام 2022 على 200 طن من بذور القمح الطري، على شكل هبة، بموجب اتفاق عقدته مع منظّمة «الفاو» و«المنظّمة العربية للتنمية الزراعية»، ووزّعت البذور على 1642 مزارعاً يمتلكون حوالي 14 ألف دونم. في موسم الحصاد، في تموز 2023، قارب المحصول الـ 6 آلاف طن من القمح الطري، كان المزارعون ينتظرون بيعها للدولة بسعرٍ تشجيعي يفوق السعر العالمي بـ 50 دولاراً، وفق ما أُقرّ في مجلس الوزراء. غير أن ميقاتي وسلام أدارا الأذن الصماء، وبدأ تقاذف المسؤوليات. صحيح أنّ رئيس الحكومة طلب، في أكثر من جلسة حكومية، من وزير الاقتصاد شراء القمح من المزارعين عبر مديرية الحبوب والشمندر السكري التابعة لوزارته، لكن الصحيح أيضاً أن لا اعتمادات رُصدت لعملية الشراء. كما أن سلام، المتحصّن بمسألة غياب الاعتمادات، لم يُمارس دوره بالضغط على ميقاتي أو وزير ماليته لتأمين الأموال، بصفته الوزير الوحيد المعني بعملية الشراء.

وفي وقتٍ جرى فيه التذرّع حينها بأنّ عدد طلبات البيع المُرسلة من المزارعين إلى وزارة الاقتصاد لم يتعدّ الأربعة، يؤكّد وزير الزراعة عباس الحاج حسن أنّ «لائحةً بأسماء المزارعين أُرسلت إلى وزارة الاقتصاد التي كان يُفترض أن تتواصل معهم لشرائه». في المحصّلة، «باع المزارعون المحصول إلى التجار بأسعارٍ متدنّية جداً، وبعضهم استخدمه علفاً للحيوانات» وفق نقيب مزارعي القمح والحبوب خالد شومان، مشيراً إلى أنه «حتى لو تسلّمت الوزارة المحاصيل هذا العام، فإن لدى المزارعين تخوّفاً من المماطلة بدفع الأموال». هكذا، فقد المزارعون الثقة بالدولة مرة جديدة!

في الموسم التالي، في أواخر عام 2023، وزّعت «الزراعة» 273 طناً من بذار القمح تكفي لزراعة حوالي 35 ألف دونم، يتم حصادها في تموز 2024، ويتوقّع أن يصل المحصول إلى 14 ألف طن. وألزمت الوزارة كل مُزارع بإعادة ما منحته إياه من بذور، على أن تشتري الدولة منه بقية المحصول. والمقصود من هذه الآلية ضمان حصول الوزارة على كمية من القمح تستخدمها في عملية إكثار البذور. وضمن عملية الإكثار نفسها، منحت «الزراعة» كلاً من غرفتَي التجارة والصناعة في طرابلس وزحلة، والجيش اللبناني، بذاراً لزراعة 1200 دونم من الأراضي التابعة للوزارة، ويتوقّع أن يبلغ إنتاجها في تموز المقبل نحو 600 ألف كيلو من القمح، سيعرض الحاج حسن على برنامج الأغذية العالمي (WFP) شراءها من الجيش وغرفتَي التجارة والصناعة، وإعادة توزيعها على المزارعين. أما في ما يتعلق بمحاصيل المزارعين، فيفترض بحسب الخطة أنّ تشتريها الدولة في تموز عبر وزارة الاقتصاد، وتعطيها لوزارة الزراعة لتعيد توزيعها مجاناً على المزارعين، ليُعاد زرعها… وهكذا على مدى سنوات، ضمن عملية توسيع الرقعة المزروعة وزيادة حجم المحاصيل، وصولاً إلى زراعة ثلث حاجة لبنان من القمح الطري. وبما أنّ «لبنان يستهلك شهرياً 23 ألف طن من القمح، تبلغ كلفة استيرادها حوالي 7 ملايين دولار (300 دولار للطن)، نأمل الوصول إلى مرحلةٍ نحقق فيها وفراً على الخزينة بحوالي 28 مليون دولار سنوياً»، وفق وزير الزراعة.

 

مخازن لقمح «مُنتظر»

يفترض الأخير أنّ خطة وزارته ستسير على ما يرام، ما يستلزم إيجاد مخازن للقمح، رغم أن المقدمات الحالية تشير إلى خلاصاتٍ مغايرة. وبناءً عليه، أطلع الحاج حسن مجلس الوزراء، في جلسته الأخيرة الثلاثاء الماضي، في صورة جولته على مخازن القمح الأفقية في الأردن، مقترحاً السعي إلى تأمين تمويلٍ من الجهات المانحة لإنشاء مثيلاتٍ لها في لبنان.

تكلفة العنبر الواحد 100 ألف دولار ويسمح بالتخزين لفترة 4 سنوات

 

والمشروع الذي اطّلعت «الأخبار» عليه، عبارة عن عنابر أفقية معتمدة في الأردن منذ عام 2020، في مناطق مسطّحة داخلية حيث معدلات الرطوبة متدنية، يتم «فرش» أرضيتها بطبقة من البسكورس، وطبقات عزل من مواد بلاستيكية خاصة تُستورد من أستراليا التي تعتمد طريقة التخزين نفسها، وفوقها أرضية من الباطون بمواصفاتٍ محدّدة. ويحتاج كل عنبر إلى غطاء خاص يستورد أيضاً من أستراليا، مع فتحات لفحص نسبة الأوكسيجين دورياً، وكذلك فحص القمح المخزّن. ويبلغ عرض العنبر 20 متراً، فيما يعتمد الطول على الكمية المطلوب تخزينها، ويصل الارتفاع إلى 6 أمتار. وبحسب المشروع، «تسمح هذه الآلية بتخزين القمح إلى فترة 4 سنوات، نظراً إلى اعتمادها على تخفيض نسبة الأوكسيجين إلى ما دون 8%، ما يحول دون إمكانية الكائنات الحيّة مثل الحشرات والقوارض على العيش». وعندما يُفتح المخزن يجب تفريغه تماماً من كل كمية القمح الموجودة داخله بعد تعرّضها للهواء. ولفت الحاج حسن إلى عاملين يحكمان اختيار أماكن إنشاء المخازن: الأول أن تكون في منطقة يُزرع فيها القمح مثل عكار والبقاع. والثاني القرب من ثكنات عسكرية للجيش اللبناني لضمان حماية المخزون، مشيراً إلى أنّ كلفة العنبر الواحد تقدّر بحوالي 100 ألف دولار.

نموذج العامين السابقين لا يبشّر بالتفاؤل بنجاح مشروع القمح، ما يجعل من طرح إنشاء مخازن للقمح الطري منعطفاً يحتّم إمّا وضع الزراعة بنداً أولياً يرتّب على الحكومة مجتمعةً تنفيذ الخطة وتطويرها، لتُصبح مُتكامِلة من مرحلة الزراعة إلى الحصاد والشراء بأسعار تشجيعية، وصولاً إلى التخزين، وإمّا التوقّف عن بيع الأوهام، ولا سيّما أنّ منح المُزارع بين 100 إلى 300 كيلو من البذور لزراعتها، وشراء المحصول منه لاحقاً بسعرٍ «ربيح»، عملية تعود فائدتها على المزارع بشكل مباشر، لجهة تأمين حاجته من الخبز، مع قليل من الربح، حتى وإن كانت الخطة غير كافية لتحقيق الأمن القومي الغذائي. ومن المفيد الإشارة إلى أن قرض البنك الدولي المخصّص لاستيراد القمح ينتهي في حزيران المقبل، حينها سيصار إلى رفع الدعم كلياً عن ربطة الخبز وسط غياب أي تدبير بديل.

 

التصدير ممنوع

يفيض عن حاجة لبنان السنوية ما بين 100 إلى 120 ألف طن من القمح القاسي المنتج محلياً والمخصص للمعكرونة والسميد والبرغل. وبما أن الدولة تخلف دوماً بواجباتها، لم تشتر محاصيل القمح القاسي كما هو متّفق مع المزارعين. ورغم قرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد موافقة لجنة الأمن الغذائي الوزارية، على السماح بتصدير القمح إلى الخارج. وبعد مرور ثلاثة أشهر على القرار، لم تمنح وزارة الاقتصاد المزارعين إجازات تصدير أطنان القمح المكدّسة لديهم، إلى أن أبلغتهم الاثنين الفائت أن إجازات التصدير معلّقة لثلاثة أسابيع بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية ربطاً بالحرب الدائرة في الجنوب.