موسكو توحي ان الاتفاق الروسي – الأميركي على وقف الأعمال العدائية في حرب سوريا ليس خطوة عابرة فرضتها الحاجة الى استراحة محارب موقتة. فهي ترفض بلسان الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا الاشارات الى هدنة أسبوعين مؤكدة انها بلا سقف زمني. وهي تتمنى أن يكون تلويح جون كيري بالخطة ب مجرد كلام. ولم تكن واشنطن أقل حرصاً على استمرار الهدنة، بحيث سلّطت الأضواء على الخفض الكبير للأعمال العدائية والتخفيف من حجم الخروقات. واذا كان في طهران من يرى ان الهدنة ذريعة لتغيير حكومة الرئيس بشار الأسد فان بين المعارضين من ينعي الهدنة ويسجل استمرار الأعمال العدائية من جانب الروس والنظام والميليشيات الحليفة.
والكل يعترف، وفي الطليعة الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا، بأن الهدنة هشّة. ولا أحد يعلق الكثير من الآمال على جولة المفاوضات غير المباشرة المفترض ان تبدأ في التاسع من آذار الحالي ان لم يتم تأجيل الموعد. فالتسوية السياسية التي تصرّ واشنطن وموسكو على ربط طريق الهدنة بها تبدو أكثر هشاشة من الهدنة. ومن الصعب تصور الرئيس فلاديمير بوتين يتجاوب مع ما طلبه منه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وهو أمران مترابطان: واحد أمني مختصره تركيز القصف على داعش لا على المعارضة، لأن داعش هو العدو، كما أعلن هولاند. وآخر سياسي هو ضرورة الاسراع في التفاوض على مرحلة انتقالية لا مكان فيها للأسد كما أعلن كاميرون.
والواقع أن التسوية السياسية التي يدفع اليها البعض ويتحدث عنها الجميع في الداخل والخارج، طبعاً باستثناء داعش وجبهة النصرة وبقية التنظيمات السلفية الارهابية، لا تزال شعاراً. صحيح انها صارت في صلب اتفاقات وقرارات دولية رسمت لها الاطار وخارطة الطريق، وأخذت أشكالاً متعددة في أدبيات الاطراف. لكن الصحيح ايضا انها تفتقر عملياً الى شروط يلتزمها الروس والأميركيون بشكل خاص، ولا بد منها لوقف الحرب وصنع التسوية. وهي، كما يقول كينيث بولاك من مؤسسة بروكينغز في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز النافذة، تحقيق ثلاثة أهداف.
الهدف الأول هو تغيير الدينامية العسكرية بحيث انه لا احد من الاطراف المتحاربة يؤمن بأنه يستطيع تحقيق انتصار عسكري، ولا احد يخاف من ان مقاتليه سيتعرضون للتصفية بعد التخلي عن السلاح. والثاني هو اتفاق شراكة في السلطة يعطي لكل طرف حصة عادلة في النظام الجديد. والثالث هو اقامة مؤسسات تضمن وتطمئن كل الاطراف الى ان الشرطين السابقين سوف يطبقان ويثبتان.
ولا شيء يوحي ان الرهانات انتهت على مهمة مستحيلة اسمها الحل العسكري.