كلمة العام ٢٠١٦ في قاموس أوكسفورد هي ما بعد الحقيقة. أما في القاموس اللبناني، فانها ما قبل الحقيقة. شيء في أميركا وأوروبا من الرد على حقيقة العولمة والاتحاد الأوروبي والارهاب والبطالة والتفاوت في الأجور بالرهان على بعد الحقيقة. كيف؟ عبر الشعبوية التي حملت دونالد ترامب الى البيت الأبيض، وأخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأسقطت الاصلاح الدستوري الضروري في ايطاليا، وجعلت فرنسا أسيرة الخيار الرئاسي بين اليمين المحافظ بشخص فرنسوا فيون واليمين العنصري المتطرّف بشخص مارين لوبن. وفي لبنان شيء من خلط الداخل بالخارج وربط أصغر الأمور بانتظار حرب سوريا وحرب العراق وحرب اليمن والصراع بين ايران والسعودية والثوابت والمتغيرات في العلاقات بين أميركا وروسيا، بحيث يتحكّم بنا منطق ما قبل الحقيقة.
وليس سيناريو تأليف الحكومة سوى تمارين في العبث تبدو كأنها أحجية للبحث عن الحقيقة: هل العقدة هي بالفعل التنافس من دون أي برنامج على حقائب وزارية، وتلك قمة المساخر، أم هي أعمق وأبعد، وتلك قمة التراجيديا؟ وفي الحالين. فان الحكومة مادة من بين مواد عدّة في موسم امتحانات سياسية. ولا أحد يعرف متى وكيف تنتهي هذه الامتحانات. فالشغور الرئاسي الذي دام نحو عامين ونصف كان مادة في الامتحانات لخدمة سياسة مرتبطة بصراع المحاور الاقليمية وحرب سوريا، وسط عملية تغطية للحقيقة والايحاء اننا لا نزال في مرحلة ما قبلها أو في مرحلة ما قبل المؤتمر التأسيسي لاعادة تكوين النظام لا مجرد السلطة. وانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية كان امتحانا في مادة لقاء الأضداد من دون تفاهم جامع وبعضهم على طريقة مكره لا بطل.
والامتحان حاليا هو في مادة الرئاسة والجمهورية، وبالتالي في الخلاف على الحقيقة كأننا في مرحلة ما قبلها. فليس أمرا قليل الدلالات ان يتكرر في دمشق وطهران ولدى حلفائهما في بيروت الخطاب القائل ان وصول الرئيس عون هو انتصار لمحور الممانعة وخط المقاومة، في مواجهة الخطاب اللبناني القائل انه انتصار ل الميثاقية ومحور الوزن الوطني والتوازن بين المحاور. ولا أحد يجهل معنى أن يدور الجدل بين من يقول ان على الذين اعتادوا الاستقواء على الرئاسة ان يتكيّفوا مع صعود عهد جديد مختلف وبين من يوحي ان على العهد أن يستوعب صعوبة ان يكون مختلفا ما دامت موازين القوى لم تتغيّر.
والرئيس هو الآن بيّ الكلّ. لكن ذلك لا يعني وضع ماضيه وكل مسار حياته بين قوسين. فلولا ماضيه لما وصل الى القصر. والامتحان المهمّ هو انتظارات اللبنانيين.