الطبع لا يتغيّر مع التقدم في العمر ويبقى هو نفسه في المواصفات وفي العمق، ولكن تجارب الحياة والخبرة العميقة والمتشعبة تساعد على صقله، وتضعه تحت السيطرة، وبخاصة مع انحسار تأثير هرمونات الشباب، وما ينتج عنها من فورات الغضب والنزعة الهجومية! غير أن موقع المسؤولية العامة هو أيضا يحدّ من تأثير الهرمونات الانفعالية، حتى ولو كان صاحبها في ريعان الشباب أو نضج الرجولة! وما يدعو الى الحيرة في هذه الآونة هو سرّ هذه السيطرة على الذات لدى كبار المسؤولين العامين، وحتى على قيادات الطبقة السياسية على اختلاف أعمارهم، ومحافظتهم على الهدوء والروية وطول البال والصبر… هذا على الرغم من أن كل ما يجري في الحياة العامة يدعو الى الغضب الشديد، والانفعال، والثورة، والرغبة في هدم الهيكل المعيوب لبناء هيكل جديد خال من العيوب بقدر الامكان!
***
أول ما يدعو الى الغضب والثورة، هو هذه المهزلة المتمادية والمذلة حول قانون الانتخابات النيابية. وعندما يصل الى رئاسة الجمهورية رئيس جاء من منبر الاصلاح والتغيير، فهذا يعني ان الذين انتخبوه وأوصلوه الى هذا المنصب القيادي قد ارتضوا لأنفسهم ولشعبهم أن يكون عنوان العهد هو الاصلاح والتغيير… ولكن ما يراه الجميع هو خلاف ذلك، وأحيانا نقيض ذلك! واذا كان اصلاح قانون الانتخاب بهدف تغييره الى ما هو أفضل منه، يسير بهذه الوتيرة من البطء والمراوحة، فهذا يعني ان اللبنانيين يحتاجون الى ستة عهود، مع ستة رؤساء بمواصفات الرئيس عون، ويبلغ المجموع ستين سنة، حتى يتمكنوا من اصلاح قانون الستين وتغييره!
***
ما يدعو الى الغضب والثورة أيضا هو دوامة الفساد وفي المقدمة مغارة الكهرباء والأربعين حرامي… وما كان يشاع في السابق هو أن تدهور قطاع الكهرباء هو سياسة مرسومة وضعها أصحاب الثروات الكبيرة أو الخرافية، بقصد افلاس القطاع والوصول الى مرحلة بيعه بسعر رمزي هو قرش لبناني، أو نصف قرش مثقوب، الى أولئك المتمولين الكواسر، لاجتناء ثروات خرافية بعد تملكه! ولكن جاء وزير الطاقة جبران باسيل في العام ٢٠١٠ ووضع مشروعا طنّانا ل كهرباء ٢٤ على ٢٤، في كنف الدولة وبقدراتها الذاتية. واليوم تبرز فجأة على السطح دعوة صريحة وعلنية تدعو الى خصخصة الكهرباء، ولكن لحساب جهات لا تزال غير معروفة حتى الآن، وهي غير الجهة التي كانت تتهم في السابق بأنها تنحر الكهرباء لتضع يها عليها مباشرة أو غير مباشرة…
***
اذا كانت الدولة غير قادرة فعلا على ادارة شؤون الكهرباء، فهل هذا يعني ان مشروع الوزير باسيل الكهرباء ٢٤ على ٢٤، كان مجرد ضحك على الذقون؟! واذا كانت الدولة قادرة على اصلاح قطاع الكهرباء وتغييره الى الأفضل، فكيف نفسر دعوة الخصخصة الصادرة عن أحد أبرز حلفاء العهد؟!
***