IMLebanon

الأسد عندما «يتمرّد»

 

لم يطل الأمر كثيراً قبل أن يتأكد بالفعل، انشطار الشعار الممانع بين حامليه تبعاً لمواقعهم، بحيث أنّ بشّار الأسد وَجَد نفسه قادراً على العبث بالسياسة المركزية التي تضع إيران خطوطها العريضة (والتفصيلية) تبعاً لمركزية دورها و«تضحياتها» التي سمحت ببقائه في موقعه حتى الآن.

أي أن الأسد يتمرد على أولياء نعمته وحُماته عندما يرفض أن يأخذ موقفاً مضاداً لحملة قوى الائتلاف على «داعش» وأمثاله في سوريا (وكأن أمامه خيارات أخرى؟) وأن يتخطى بذلك، الموقف الإيراني الروسي الذاهب، كل لحساباته الخاصة، إلى وضع الحرب ضد الإرهاب في سياق البازار المفتوح مع الولايات المتحدة، أو بالأحرى، محاولة تركيب شيء يسمح للعاصمتين بممارسة أي قدر من الابتزاز لمحاولة خدمة مصالحهما.

النتيجة، أن الأسد وَجَد نفسه عارياً، أو أكثر عُرياً: لا الولايات المتحدة والقوى العربية والدولية الحليفة قبلت منه أي عرض أو دور، ولا حلفاؤه وأطواق نجاته راضون عن هلعه وانكشافه وخضوعه أمام الأمر الواقع الذي تعنيه الحرب.. وبطبيعة الحال، لم تعد لديه أي قدرة عسكرية ذاتية ليبني عليها احتمالات نجاته. ويُضاف إلى ذلك توزّع عموم السوريين بين أغلبية داعية إلى بطحه بالأرض هو وسلطته نهائياً، وبين جماعات أخرى تتيقن أكثر فأكثر أن مصالحها ومصائرها لا يمكن أن تبقى رهينة سلطة مكرسحة ومرفوضة محلياً ودولياً إلى هذا الحد، ولا أفق لأي احتمال بنجاتها أو بعودتها إلى سابق عزّها وامتيازاتها وعطاءاتها ووظائفها التكتيكية والاستراتيجية.

.. حتى داخل البيئة العلوية ذاتها هناك إشارات جدّية وفعلية (رَصَد بعضها موقع ناو الإلكتروني يوم أمس) تتوالى عن وصول التبرّم من أكلاف الدفاع عن الأسد إلى حدودها الأخيرة، وأسئلة كبيرة عن المصير العام. وتحركات عملية تُظهر وتُمظهر ذلك التبرّم، وتلك الأسئلة.

وفي العموم، لا يعني ذلك كله، أنّ الضرب اللاحق بـ«داعش» و«النصرة» وما شابه، سيوصل غداً إلى مشهد جديد في النكبة السورية لجهة مصير سلطة الأسد. لكن في العموم أيضاً، لا أحد يمكنه أن يتجاهل تراكم كل تلك المشاهد والمعطيات وإضافتها إلى ما سبق في سياقات ثورة السوريين، لتأكيد الخلاصة القائلة بأن سلطة الأسد صارت جثة سياسية وشيئاً من الماضي، وأن الإعلان الأخير بـ«الترتيبات» التالية ينتظر نضوج حالة بديلة مقبولة أكثر من غيرها.

هلع الأسد الذي شطح به إلى حدود التمرّد وشطر الشعار الممانع، مردّه إلى تيقّنه التام من تلك الخلاصة اليائسة، ومن عدم قدرة فريقه الممانع على تغيير شيء كبير فيها.

.. إنشطار الشعار الممانع بهذا المعنى يدلّ على انشطار خريطة الممانعة ذاتها، حتى لو وضع الحوثيون دبّوسهم الأحمر عليها من صنعاء.. ومرحلياً في كل حال!

بالمناسبة: ماذا كان يعني الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بدعوته إيران، قبل نحو شهر، إلى الكفّ عن التدخّل في شؤون بلاده ومحاولة استبدال صنعاء بدمشق؟!.. الله أعلم.