Site icon IMLebanon

عندما ينتصر بشار الأسد على العالم

سبع سنوات كانت كافية لكي يستبطن بشار الأسد مقولة أحد أعضاء مجلس الشعب السوري «أنت قليل عليك أن تحكم سورية ويجب أن تكون رئيساً للعالم». صحيح أن الأسد لم يعد يحكم سوى مساحة ضئيلة من سورية، وحتى هذه فإن السلطة والكلمة فيها لروسيا وإيران، لكن حالة الثقة التي ظهر عليها في خطابه الأخير تليق بأشخاص بحجم الإسكندر المقدوني، أو بملكة بريطانيا يوم اكتمل قوس سيطرتها وباتت الشمس لا تغيب عن ممتلكاتها.

لكنه، إلى جانب الثقة المفرطة، كان غاضباً ومستفزاً، يتطاير الشرر من عينيه، وتتلعثم كلماته، في وضع لا يتناسق مع ما جاء من أجله: تحديد توجهات سورية المستقبلية التي انتصرت أو هي على عتبة الانتصار، ليس على معارضيه، الذين لا ينالون حتى شرف وصفهم بالأعداء، بل على العالم، والغرب منه بالتحديد، بعد تصريح وتلميح أن هذا الغرب خاض حرباً مصيرية على سورية حيث ستتعطل صيرورة تطوره وتتزعزع أوضاعه الجيوسياسية نتيجة خسارته في سورية، فالأسد بدا واعياً لمكانة سورية وأهمية جغرافيتها السياسية، فمن يحكم سورية يحكم العالم، فيما بدا أنه اقتباس من مؤسس الجيوبوليتيك الشهير ماكندر «من يحكم أوراسيا يحكم العالم».

انطلاقاً من هذه الحقيقة الجيوبوليتيكية، واستنتاجاً من مقدماتها، فإن الأسد حاكم للعالم، ليس نتيجة اكتشاف عضو مجلس الشعب، بل نتيجة الحقائق الصلبة التي رسخها في الواقع، ذلك أن حكمه لسورية يجعله بشكل أوتوماتيكي حاكماً للعالم، ومتحكماً بتوازناته وصعود وهبوط الدول وتراتبية النظام الدولي، وما يضعه في هذه المكانة ليس فقط الجغرافية السورية الحاكمة، على أهميتها، بل القيم التي ينطلق منها الأسد، وربما التي يصنعها، والتي تتجلى بأبهى صورها من خلال احتكاره المعاني وتفسيرها.

هذه المكانة السياسية يتطلب تعزيزها واندراجها في إطار الأساطير الكبرى، أن يتحوّل بشار الأسد إلى رئيس يعيش في عالم ملوث ويضطر للانخراط في صراعاته، لكن سلوكه وذهنيته تدفعانه إلى ابتغاء إصلاح العالم الملوث، فالعالم كله فاسد، وبالأخص الغرب الذي يعتبر نفسه منذ خمسة قرون على الأقل مصدر القيم، لذلك فإن الحرب التي خاضها الأسد على الإرهاب، كشفت زيف قيم الغرب التي انقلب عليها الرأي العام الغربي نفسه، والملاحظ هنا أن الأسد لم يذكر في خطابه أنه يتعرض لمؤامرة كما كان يردّد في خطاباته السابقة، بل أصر على أنه خاض الحرب منذ اليوم الأول، والمعلوم أن هذا اليوم كان يوم اقتلاع أظافر أطفال درعا، فالأسد لا يطيق أن يكون في موقع الدفاع، فهو الذي يفترض فيه أن يبادر إلى مهاجمة العالم المنحرف وليس العكس.

ولبشار الأسد صحابته، التي تتمثل في القيصر فلاديمير بوتين والولي الفقيه علي خامنئي وحسن نصرالله، هؤلاء هم الناجون من التلوث الذي يضرب العالم، وهم مثل فرسان الروايات يحاربون الشر فقط من أجل أن تنتصر المثل، وهنا لا يبدو أن بشار الأسد يقاتل من أجل نخبة محدّدة ولا شعب معين، بقدر ما هو يقاتل في سبيل قيم عالمية ستثبت جدواها بعد ألف عام، وحينها لا يكون رئيس العالم وحسب بل الرئيس الخالد.

غير أنه وعلى رغم الصفات التي أسبغها على الفرسان الثلاثة، إلا أنهم لم يصلوا إلى درجة الزمالة والتماثل معه، بل هم يقبعون في درجة أدنى بقليل، درجة الخدم الأوفياء، الذين لا مصالح لهم في سورية سوى الحصول على شرف خدمة الأسد، بدليل أن الأسد نسف كل الترتيبات والتسويات التي أجرتها روسيا، خصوصاً عبر خطتها المسماة «مناطق خفض التصعيد» والتي طالما روجت روسيا أنها ستكون مقدمة للحل السياسي في سورية وأن الحل أصلاً سيكون على شاكلتها، لا مركزية وانتخابات محلية وشراكة في الحكم، في حين أن الأسد لا يرى فيها سوى مواصلة الحصار حتى استسلام المقاتلين ورضوخ المجتمعات المحلية وعودتها صاغرة إلى حكم الأسد.

هل كان هذا سبب توتره الشديد واختفاء معالم الفرح بالنصر من خطابه؟ بشار الأسد صوّب على المبادرة الروسية بشدة، فهو برأيه دفع ثمن المساعدة الروسية قواعد وامتيازات اقتصادية وهو غير ملزم بأي استحقاقات أخرى، كالمشاركة في السلطة أو التنازل لاحقاً عنها. تلك تجاوزات روسية لا يقبل بها، فقد أصر على المكاسب التي حققها الروس نتيجة تدخلهم في سورية، فقد أصبحوا رقماً في السياسة الدولية وباتوا من المقررين في النظام الدولي، بمعنى أنهم حصلوا على حصتهم مقدماً.

ولتدعيم هذه الفكرة، يناور بشار الأسد حلفاءه الروس بوجود بدائل أخرى، فقد صرح بأن العالم الغربي قد أنهى تموضعه إلى جانبه، وهو (الأسد) في مرحلة اختيار نمط العلاقات التي سيعيدها مع الغرب، وهو لم يعد ملتزماً بأي وعود، وفي الوقت نفسه لم يعد لأحد منّة عليه، وكأن الأسد يرد على إهانات الحلفاء الذين ادّعوا، بما فيهم «الحشد الشعبي» العراقي، أنه لولا تدخلهم لسقط نظام الأسد، فكان يشدد على دور جيشه في الانتصار، كما أنه أجّل إعلان الانتصار، فالآخرون لم ينجزوا الانتصار بل أوجدوا ملامح له، وجيشه هو الذي سينجز الانتصار الحقيقي.

بشار الأسد حاكم للعالم، وهو وحده من يحدد معايير الخير والشر، ومعاني المصطلحات، وكيف تكون الثورات ومن هم الثوار. وحدهم السوريون سيدفعون ثمن رئاسته العالم من دماء أبنائهم وأرزاقهم.