Site icon IMLebanon

عندما يتحدث بشّار عن العفّة

«المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار» (البحتري)

عندما كان رعاع الحرب الأهلية في لبنان يسطون على المتاجر في الأسواق التجارية في بيروت من على ضفتي الحرب الأهلية سنة 1975، كانوا يغطون جريمتهم بإحراق المتاجر حتى تضيع المعالم، ويبقون على تصنيفهم كمقاتلين شرسين يدافعون عن قضية وطنية، بينما هم بالفعل سارقون وقتلة، وهم أنفسهم، أو قادتهم، كانوا يظهرون سابقاً أو لاحقاً ليبشروا بحقوق الإنسان والمواطنة! 

بشار الأسد هو مثل هؤلاء، لا بل هو المثل الصارخ عن النفاق، لكن الأكثر نفاقاً هم زواره الآتون من بعض إصقاع الأرض ليستمعوا إلى مواعظه حول الإرهاب والتطرف وعن عالمية قضيته، مؤكداً أنه هو وشبيحته جنودٌ عالميون يحمون البشرية من شرور التطرف، أو ربما أنهم يشبهون السد الذي بناه الملك الصالح ذو القرنين في وجه قوم يأجوج ومأجوج. 

المصيبة هي أن ذاكرة الكثيرين ضعيفة، أو أنهم يتناسون ليصبحوا كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب، أو أن هول الكارثة التي حلّت جعلتهم يتوهون عن حقيقة أن صاحب المواعظ نفسه هو أصل العلّة ومن العبث إيجاد حلّها عنده. 

لا تزال ترّن في أذني مقولة للجنرال ميشال عون، يقول فيها «حافظ الأسد إطفائي مولع بإشعال الحرائق!». قول دقيق لا شك، فمن منا لا يذكر كيف كانت الجماعات والعصابات المسلحة التابعة لنظام سوريا أثناء حربنا الأهلية تخطف الأجانب ليعود ويتدخل الأسد الأب لإطلاق سراحهم، فيصبح منقذا للأرواح ؟ 

ومَن منا لا يعرف كيف كانت تثار النعرات الطائفية والمعارك المجنونة في الشوارع وترسل السيارات المفخخة إلى بيروت وطرابلس، لمجرد إجبار الناس على مناشدة تدخل الرئيس القائد لإعادة الأمن. ألا يتذكر أهل القبيات وعندقت كيف دفع بجماعة سوريا من «جيش لبنان العربي» لحصارهما سنة 1976، وكيف أصبحت دبابات الأسد المنقذ الوحيد لمسيحيي عكار؟ 

ألا يتذكر أهل بيروت الغربية عندما تقاتلت جهتان مسلحتان تحت راية القوى الوطنية والإسلامية في الشوارع ، فكان الحل بتزوير نداء أهل بيروت لعودة قوات الأسد إليها؟ 

الحال ذاتها كانت في طرابلس أيام حركة التوحيد الإسلامي في ثمانينات القرن العشرين يوم قتلت وروعت الآمنين وحرمت البشر من حريتهم وقطعت سبل الأرزاق عنهم وهجرتهم حتى من دينهم! إلى أن كان الحل مجدداً بدخول قوات الأسد، وفجأة أصبحت حركة التوحيد حليفاً وثيقاً للنظام السوري. 

قد يقول قائل هذا من الماضي السحيق، ولكن بالعودة إلى بشار، إبن الأسد البار، فأثناء الوجود الأميركي في العراق، استدعت مخابراته الآلاف من المتطرفين إلى سوريا ودفعت بهم إلى العراق، ومن ثم تخلت عنهم، لا بل زجت ببعضهم في السجون. 

سنة ، أرسل بشار شاكر العبسي إلى لبنان، ومعه مجموعة من المعتوهين ظناً منهم أنهم يجاهدون في سبيل الله لإقامة دولة الحق! وهذا هو نفسه الذي يقوم به اليوم معتوهون آخرون في تنظيم الدولة الإسلامية عند أبو بكر البغدادي. 

وفي سنة ، يوم أدرك بشار استحالة القضاء على الثورة، أخرج الشياطين من السجون وسهل لهم السبل لتحويل الثورة إلى جحيم ومحرقة ليصبح هو وحدة الإطفائي فيها. 

اليوم تعود نغمة مكررة عن ضرورة التفاهم مع بشار الأسد مع أنه شر بحد ذاته، لكنه شر لا بد منه في مواجهة شر أكبر هو كان من صانعيه، اسمه «داعش» أو التطرف الوحشي تحت لواء إسلامي. 

خطيئة، لا بل جريمة كبرى، فبذلك يعطي العالم من جديد لسارق السجاد ليشارك في إطفاء حريق متجر هو اضرم النار فيه لكيلا يعرف أحد عدد السجادات المسروقة، فيخرج من الميدان كإطفائي بدل أن يحاكم على جريمة السرقة.

() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»