IMLebanon

عندما يُلدغ «المستقبل» من جحر «القوات» مرتين

شكّل إعلان ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، محطة جديدة من محطات «إخفاق» تيار «المستقبل» وزعيمه الرئيس سعد الحريري في إدارة ملفّاته وفي التنسيق والتناغم في المواقف مع حلفائه من أجل تحقيق المصالح السياسية المشتركة، فجاءت خطوة «الحكيم» الرئاسية لتضرب هذا التحالف، ولتساهم في مزيد من التصدع في صفوف قوى «14 آذار» بشكل وصفه بعض المتابعين بأنه بداية النهاية.

ويشير مطلعون الى حجم الإرباك الذي سيطر على الحريري في المرحلة الماضية، فهو بعد طرح مبادرته بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية إثر اللقاء الباريسي الشهير، ترك الأمور تتفاعل دراماتيكياً، ولم يستطع حسم هذا الموضوع أو اتخاذ أي قرار بشأنه. ويأخذ هؤلاء على الحريري أنه لم يبادر الى إعلان ترشيح فرنجية رسمياً، بالرغم من أنه كان على علم بما يحضّره سمير جعجع في هذا الإطار، وهو لم ينجح في تسويق مبادرة الترشيح حتى ضمن «العائلة الزرقاء» التي انقلب بعضها عليه علناً، فيما عمل بعضها الآخر على تقليص حجمها تدريجياً من «المبادرة» الى «الطرح» الى «الأفكار»… الأمر الذي أظهر أن «تيار المستقبل» تحول الى «بيت بمنازل كثيرة».

ويرى هؤلاء أيضا أن الحريري لم يقم بتحضير أرضية «14 آذار» لمبادرته الرئاسية، ولم ينجح في إقناع حليفه الأساسي سمير جعجع بها أو استدراجه لمناقشتها، فأدت المبادرة الى التفريق بينهما في وقت لطالما ردد فيه الحريري مراراً وتكراراً «أنني وسمير لا يفرّقنا سوى الموت».

ويبدو أن كل ما قام به الحريري خلال السنوات العشر الماضية لم يشفع له عند جعجع، خصوصاً أن كثيراً من «المستقبليين» استذكروا أمس كيف أن ابن رفيق الحريري سعى الى إصدار عفو خاص في مجلس النواب عن جعجع بعدما أمضى 11 عاما في السجن، إثر إدانته من قبل أعلى سلطة قضائية في لبنان باغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، والحكم عليه بالإعدام المخفف الى المؤبد، وكيف رفع شارة النصر مع نوابه عند الإفراج عنه، وسارع الى مساعدته مادياً ومعنوياً وسياسياً في كل الخطوات التي قام بها من أجل إعادة بناء هكليّة «القوات اللبنانية» وتطويرها، فضلاً عن توفيره كل أنواع الدعم له وفتحه أبواب الخليج أمامه، لكن جعجع تعامل مع الحريري وفق قاعدة: «ولما اشتدَّ ساعده رماني».

ويؤكد هؤلاء أن الحريري «لُدغ من جحر جعجع مرتين»، وهو لم يفهم مغزى رسالة جعجع الأولى لجهة قبوله بـ «القانون الأرثوذكسي» والتبشير به، وأنه يضع مصلحته فوق كل اعتبار، حتى وصل الأمر الى مواجهته مباشرة بترشيح العماد عون.

وإذا كان خصوم الحريري قد «فركوا» أيديهم فرحاً بـ «الصدمة» السياسية التي من المفترض أنه تلقّاها من حليفه، خصوصا أنهم لطالما انتقدوه على توفيره كل أسباب الدعم والتأييد له، وترشيحه بداية الى رئاسة الجمهورية، وضربه عرض الحائط بمشاعر شريحة واسعة من الطائفة السنية التي ترى أن جعجع اغتال رئيس حكومة عاملاً وخرج بعفو غير دستوري وبجهود الحريري نفسه، فإن ما يجري في أروقة مكاتب «تيار المستقبل» في مختلف المناطق اللبنانية لا بد من التوقف عنده ملياً.

وتشير المعلومات الى غضب عارم في صفوف «التيار الأزرق» من الخطوة التي أقدم عليها جعجع بترشيح عون للرئاسة، بعدما بدت وكأنها تصفية حسابات مع الحريري، وردّ الصاع صاعين له على مبادرته بطرح اسم فرنجية للرئاسة، وأن كثيراً من هؤلاء باتوا على قناعة بأنه كان على الرئيس الحريري أن يختار حلفاءه بعناية أكبر أو أن يكتشفهم قبل فوات الأوان، وربما أنه أخطأ منذ البداية عندما حمل جعجع و «القوات اللبنانية» على أكتافه، وكان كل ذلك على حساب طائفته وأهله.