IMLebanon

عندما يعطّل المسيحيون الدولة.. بـ«الميثاقية»

بين التهميش والدور و«تشريع الضرورة»

عندما يعطّل المسيحيون الدولة.. بـ«الميثاقية»

لم يُسجل في أي بلد أن يتحول فعل انعقاد جلسة لمجلس النواب إلى حدث وقضية. فالمجالس النيابية، كما الوزارية وسائر المجالس المنتخبة أو المعينة، من واجباتها الاساسية الاجتماع وسياسة شؤون الناس، كل بحسب مهامها الواضحة والمحددة وفق الدستور والقوانين. يندرج هذا في «ألف باء» توصيف عملها، والاساس الذي عليه يتقاضى المسؤولون رواتبهم من ضرائب المواطنين. ليس من بداهة أكثر بداهة من ذلك.

لكن اللبنانيين يميلون الى تسجيل سوابق حتى في البديهيات. صار اجتماع المجلس النيابي المتعذر منذ شغور مركز رئاسة الجمهورية اللبنانية حدثا جللا وانجازا مشتهى. لا يجد النواب حرجا في الا يمارسوا واجباتهم بانتخاب رئيس للجمهورية. لا بل يجدون الاعذار والمبررات ويجادلون فيها باعتبارها حقائق مطلقة. ولمزيد من الابتكار، وحفاظا على الخصوصية اللبنانية، تم ادخال تعابير جديدة في توصيف جلسة قريبة مفترضة للمجلس النيابي: تشريع الضرورة أو ضرورة التشريع. وعلى امتداد أيام غرق اللبنانيون في الاحاطة بما يرافق الازمة المستحدثة. فطفا على سطح المفردات المتداولة موضوع الميثاقية ومعناها وكيفية تأمينها. وفي هذا الاطار، عاد الكلام عن استهداف المسيحيين وتهميشهم. وطرح مجددا موضوع تمثيل المسيحيين ومن يعكسه بدقة؟ الاحزاب؟ أية احزاب؟ المستقلون؟ الكنيسة؟ و… «يا دارة دوري فينا» مرة جديدة.

في مقلب الاحزاب، موقف «الكتائب» و«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» واضح. فكل حزب منهم يعتبر نفسه يمثل المسيحيين. الاول تاريخيا والثاني عدديا والثالث وجدانيا. فكيف اذا اجتمعت الاحزاب الثلاثة على الاعتراض على مضمون الجلسة النيابية؟ عندها يصبح الامر، في عرف تلك الاحزاب ومناصريهم، وهم ليسوا قلة، أن «ما يتم تجاوزه هو الدور والتاثير المسيحي الفعلي وكل قيم الشراكة التي يتغنى المسلمون بها». بالتالي يصبح كل ذلك على محك الاختبار والشك.

في المقابل تقف أحزاب مسيحية اخرى كـ «المردة» و«الطاشناق» في الوسط. تتفهم «المزاج» المسيحي وتتجاوزه لحسابات تحالفاتها الاكثر تشعبا وعلاقاتها الاكثر تعقيدا والابعد من «المحلي» الضيق. وهذان الحزبان مرتاحان لتمثيلهما وسط قواعدهما ولا يشعران بحاجة الى اثبات تمثيلهما ولا تأثيرهما. يقدمان ولا يخشيان تشكيك مشكك.

لكن هذا ليس حال المستقلين المسيحيين. من بين هؤلاء نواب سيشاركون في الجلسة النيابية، اذا عقدت، ومنهم من ليسوا نوابا، انما سيدافعون عن ميثاقية الجلسة وضرورتها. هؤلاء المستقلون ليسوا «تسونامي» شعبي، وقد لا يعكسون اعمق ما يختزنه وجدان المسيحيين السياسي، لكنهم لهم حيثياتهم وحضورهم ويعكسون بعضا مما تبقى من تنوع في الاوساط السياسية المسيحية.

الا أن النواب والسياسيين المسيحيين المستقلين يبدون عتبا دائما على القوى السياسية المسلمة عموما. يقول احدهم ساخراً «عند العزايم انطون نايم. وعند زق المي انطون ريّس الحي». ويشرح «في زمن اليسر والتوافق تُعطى للاحزاب المسيحية كل الحصص. يشكلون الحكومات ويبنون التحالفات ويتعاطون مع الاحزاب كأنها الممثل الوحيد للمسيحيين. وعند الأزمات يتم تذكّر المستقلين ويُطالَبون بممارسة دور اكبر وأخذ الامور في صدرهم من أجل تامين المصلحة العامة. عندها تنتبه الزعامات الاسلامية، أفرادا واحزابا، الى اهمية المستقلين ودورهم في الابقاء على الجسور الممدودة بين اللبنانيين. عندها يتم التفتيش عن المعتدلين، اصحاب الخطاب الوطني العابر للمصالح الحزبية او الفئوية. واليوم يتم الامر نفسه».

يشدد السياسي نفسه على أنه «لم يكن المسيحيون يوما معطّلين للدولة ومؤسساتها. لم يقاطعوا أو يعرقلوا سير عمل اية ادارة. لطالما تغنّوا أنهم ابناء الدولة والمدافعين عنها، وغالوا في ذلك. فكيف يمكن لهم اليوم، تحت اي عذر كان، أن يكونوا شركاء في تعطيل المجلس النيابي؟ هذه بدع لم نعرفها قبل أن تجتاح المليشيات الطوائف وتتحكم بها، وتستسهل تعطيل المؤسسات وتغيير دورها ومفاهيم العمل فيها».