IMLebanon

عندما يبكي «الجنرال» من تياره.. وعليه

ألان عون ينسحب أمام باسيل في رئاسة «الوطني الحر»

عندما يبكي «الجنرال» من تياره.. وعليه

قد تكون من المرّات النادرة التي ينفلش فيها تناقض الآراء بين العونيين على الجدران الافتراضية، الى حدّ الضياع والقفز من أقصى التخوين الى أقصى المباركة لإنجاز الاتفاق وأبطاله.

بالأمس بدا مشهد هؤلاء سوريالياً، فيه الكثير من التشويه لتجربتهم النضالية التي صار عمرها أكثر من ربع قرن، وفيه الكثير من العبث الذي لا يدلّ إلا على حال البلبلة التي سادت الصفوف البرتقالية خلال الأيام الأخيرة.

في فضاء الإعلام الحديث، استفاض هؤلاء في التعبير عن مواقفهم من التفاهم الذي جرى التوصل إليه بين جبران باسيل وألان عون، ليأتي بالأول رئيساً لـ «التيار الوطني الحر»، وخليفة لميشال عون. بدا النقاش وجودياً، يحاكي المستقبل في تحدياته: ماذا ينتظر «التيار» في غده، أهو الموت السريري أو إعلان وفاة… أم مخدر موضعي.. أو القيامة الجديدة؟

انقسمت الآراء بين من رأى في التفاهم خشبة إنقاذ قادرة على حمل التنظيم خلال الفترة الانتقالية الى أرض صلبة، ولو نسبياً، بعد التخفيف من حمولة الخلافات والانقسامات التدميرية، وبين من اعتبره صفقة هجينة قضت على ما تبقى من الحالة النضالية بعدما أثبتت عجزها عن الاحتكام الى سلطة القصاصة الاقتراعية خوفاً من أحكامها الصارمة.

غداة انتشار خبر التسوية، هناك من شعر بخيبة أمل كبيرة، لا بل بإحباط عميق أعاده بالذاكرة الى 13 تشرين. حتى أنّ بعضهم ذهب في اعتراضه الى درجة تمزيق بطاقته الحزبية أو إعلان استقالته. كما تردد عن تقديم عضو الهيئة التأسيسية فارس لويس طلب ترشيحه للرئاسة. طبعاً، بقيت تلك المشاهد الاستثنائية، حالات فردية عاجزة عن الوقوف بوجه «تسونامي» التسوية، لكن عبرتها في رمزيتها ودلالاتها.

معظم من لامستهم هذه الحالة هم من الجيل النضالي الذي لا يزال حتى اليوم يتعامل مع تياره البرتقالي على أنَّه حالة نشأت من الشارع وإلى الشارع ستعود، وبالتالي لا مكان للتوليفات الوسطية. يرفض، في عقله الباطني الصياغات التسووية التي تفرضها الواقعية والبراغماتية، وحتى غريزة البقاء، ويفضِّل خوض غمار المنافسة حتى لو كانت معركة من أجل المعركة. ولهذا كانت الصدمة من نصيب هؤلاء.

حتى أن «التخريجة» التي أريد من خلالها تظهير التفاهم لتقديمه الى الرأي العام البرتقالي، بدت ركيكة جداً، ومصابة بالوهن، وزادت من منسوب الفوضى بين القواعد، وكأنّ صانعيها يخجلون بها، مع أنّهم قادرون على تقديم كل الحجج والبراهين التي تثبت صحتها، لا بل الحاجة اليها لعبور المرحلة بجسم متماسك.. خصوصاً أنّ الجنرال أكثر الراغبين بمضمونها.

بنظر المتحمسين لخيار إقفال صناديق الاقتراع، فإنّ غزيرة البقاء هي التي دفعت باتجاه إحناء الرأس أمام الاتفاق، لأنّ «التيار» لا يملك ترف النضال من أجل النضال فقط، وصار لا بدّ من التفكير بعقلانية أكثر كي يبقي على اتحاد صفوفه للحفاظ على قوته، خصوصاً بعد التحركات الميدانية الأخيرة التي أسقطت عنه ورقة توت التعبئة الشعبية. ولا بدّ من التحايل على الديموقراطية لبناء وعاء قادر على استيعاب الجميع.

وبالتالي فإنّ الصدام الداخلي، حتى لو لم يكن انشقاقياً في خاتمته، فهو سيزرع بذوراً سيئة بين أبناء الصف الواحد وقد تكون نتائجه تدميرية. من هنا كانت ملاقاته من غالبية القيادات البرتقالية والأرضية العونية.

عملياً، لم يكن الاتفاق خياراً يفاضل بين الصح والخطأ، وإنما بين الواقع والمجهول. بين أفضل الممكن، وأبغض الحلال، حتى لو كان هذا الحلال حقاً ديموقراطياً بامتياز. فانتصر التفاهم الذي يأمل العونيون أن يكون حقيقياً، وليس من باب تبويس اللحى.

لهذا بدا أنّ الحلقة العونية من خارج التنظيم هي الأكثر حماسة للتسوية، كونها غير معنية بالحسابات والحرتقات الداخلية، وتخشى على هذه الحالة من الذوبان أو التشرذم، الذي سيكون مصيراً حتمياً فيما لو تشلّعت الشجرة البرتقالية وصارت أغصاناً عارية.. وستطال مفاعيل هذا الانحلال الوسط المسيحي لا العوني فقط.

هكذا، فإنّ «التيار» يواجه تحدياً مصيرياً في بدايته التنظيمية كحزب سيُبنى على هيكلية واضحة يديرها نظام محدد يفترض أن ينقله من وضعية «التيار» المتفلت من الضوابط، الى حزب يطمح لبناء الحدّ الأدنى من المؤسسة القادرة على مواجهة الغد.

هنا مسؤولية الجنرال صارت مضاعفة لأن يرعى هذا الاتفاق ويحرص على احترام جوهره التشاركي، كما على جبران باسيل أن ينفض عنه تهمة «الإلغائية» ويثبت قدرته على سماع الرأي الآخر. كما على الفريق الآخر أن يبرهن أنّ الاتفاق لم يطرَّز على قياس أفراد وإنما لمصلحة المجموعة ككل.

بهذه الروحية دعا الجنرال إلى لقاء موسع، عُقد بعد ظهر أمس، في الرابية، حضره، الى جبران باسيل وألان عون، نواب «التيار» ومنسقو الأقضية واللجان المركزية، ليتلو أمامهم كلمة وجدانية يعبِّر فيها عن سعادته بالاتفاق الذي يجمع بين أبنائه، ومباركته له، مؤكداً أمامهم بأنه «الضمانة لهم.. ووصيتي لكم أن تكونوا ضمانة بعضكم بعضاً»…

وقد تقصَّد عدم الدخول في تفاصيل الاتفاق مكتفياً بالإشارة الى أنّ «التيار» فريق واحد ولا يجوز التعاطي بمنطق الشروط والشروط المضادة. وشدد على أن «لا رابح ولا خاسر جراء التفاهم، بل الكل رابحون لأنه جاء نتيجة رغبة الأكثرية الساحقة». وأنهى كلامه باكياً وسط تصفيق الحضور ودموعهم.

وقد توجه النائب ألان عون ببيان الى زملائه ورفاقه في «التيار» مؤكداً أنّه «عندما قرّرت خوض انتخابات رئاسة التيار الوطني الحر، كنت أطمح من خلال هذا التنافس الى تقديم رؤيتي لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة والسعي لتقديم ما أراه الأفضل والأنسب لمستقبل التيار انطلاقاً من تجربة العشر سنوات الأخيرة وما ينتظرنا من تحديات في المرحلة المقبلة».

وقال: «إلا أن مسار الأمور منذ انطلاق الحملة الانتخابية انحرف عن الأهداف المرجوَّة، وأظهر عدم نضوج الظروف الملائمة لحماية العملية الانتخابية الحزبية الديموقراطية وينذر بانقسام يشكل خطراً على وحدة التيار في المرحلة التي ستلي الانتخابات».

أضاف: «نزولاً عند رغبة العماد عون وانطلاقاً من ثقتي المستمرّة بشخصه، وإدراكاً مني لخطورة التداعيات على وحدة التيار، خاصة في تلك المرحلة التي يتعرّض فيها للاستهداف السياسي الكبير، أدعوكم جميعاً الى تجاوز تلك المحطة والاستمرار في العمل سوياً يداً بيد لخير هذا التيار ومستقبله».