على الاهمية الكبيرة للمصالحة بين العماد ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع واثرها الايجابي داخل الطائفة المارونية تحديدا والمسيحية عموما، فان هذه المصالحة كشفت امرا خطيرا يتعلق بمدى تراجع التأثير المسيحي في المعادلة الوطنية السياسية في البلد وسط استمرار اقرار البعض بان الافراج عن الانتخابات الرئاسية اضحى ورقة في يد ايران و” حزب الله”. اذ كان ثمة وهم بأن الاتفاق بين الحزبين الاقويين لدى المسيحيين يمكن ان يحدث تغييرا جوهريا خصوصا ان الخلافات بينهما اضاعت فرصا مهمة على اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا من دون انكار انها كانت ذريعة استخدمها افرقاء كثر لاهداف خاصة ولم يكن يساعد غياب التوافق المسيحي في هذا الاطار. ولا يجوز بالنسبة الى بعض المصادر وفي ظل العجز المستحكم عن الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وضع هذا الموضوع على الرف بل يجب أن يكون الاساس اليومي من اجل ممارسة الضغوط على من يعرقل الاستحقاق وعدم رفعها عنه. إنّ الخسائر المسيحية تستمر في التراكم من دون تجاهل مفاعيل امكان الحد منها عبر المصالحة المسيحية المسيحية. وبعيدا عن الدخول في تفاصيل الربح والخسارة التكتيكيين في مصالح الفريقين المتصالحين، فان السؤال في ضوء الترشيح والترشيح المضاد يتصل بكيف يمكن ان نثق بان الافرقاء الاكثر تأثيرا ومصلحة في ان يأتي الى الرئاسة من يستجيب لشروطهم سيتيحون المجال لرئيس وضعه اتفاق الاقطاب المسيحيين تحت عنوان الرئيس القوي فيما لا يمكن ان يوصله اجماع لا يتحقق له في الداخل المسيحي الذي ينتظر الضوء الاخضر للافراج عن انتخابه من الآخرين.
ينبغي على الاقطاب المسيحيين الاقرار بان الفراغ الرئاسي لم ينهك الوضع المسيحي ويغيبه عن المشاركة في تقرير المستقبل والمصير، ولو حاول الافرقاء المسيحيون ان يلعبوا هذا الدور عبر حكومة تقاسمت صلاحيات رئيس الجمهورية، بل انه انهك مسبقا مواصفات الرئيس ودوره المستقبلي ايا يكن هذا الرئيس. وبعدما باتت سوريا خارج لبنان عقب معاناة وحروب طويلة انهكت المسيحيين بالذات، ليس في مصلحة المسيحيين الذين تغنوا دوما باستقلال لبنان والممارسة السيادية انتظار ان يتقرر مصير الرئاسة بين المملكة السعودية وايران باعتبارهما المسؤولتين عن التوتر الاقليمي الحاصل في المنطقة والذي ينعكس ايضا على لبنان او ان يتقرر مصير هذه الرئاسة واسم الرئيس المحتمل بين ايران والولايات المتحدة. وحين يضع الاقطاب المسيحيون المصالحة في الميزان في مقابل هذه الخلاصة، فان ذلك مدعاة لاحباط اكبر لدى الشباب اللبناني والمسيحي تحديدا اكثر مما يعتقد انها تفاصيل مهمة ولكن هامشية في لعبة سياسية ليس للمسيحيين اي اثر في تغييرها.
الكلفة غدت باهظة جدا على المسيحيين كما على لبنان اذا استمر الفراغ الرئاسي خصوصا متى كانت هناك محاولات لايجاد تسويات في المنطقة فيما لا رئيس يحمي لبنان ويدافع عنه في بازارات يمكن ان تنال منه جزئيا او كليا كثمن للوفاق او المصالحات الاقليمية. فاذا كان من مخاطر تتهدد المسيحيين في المنطقة مثلا، فان احدا لم ير اجتماعات او لقاءات على مستوى القيادات تساهم في وضع استراتيجية بناءة تساعد في عبور هذه المرحلة ايا يكن توصيفها. وحين اطل رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل من طرابلس معلنا موقفا “تصالحيا” موجها الى الطائفة السنية، فان الامر كان يستحق الجدوى وان متأخرا جدا نسبة الى ان الانتخابات الرئاسية لم تعد في مراحلها الاولى بل يجب ان تكون في نهايتها الآن فيما يحتاج موقفه الى المزيد من الشيء نفسه من دون نسفه عند اول محطة سياسية جديدة كما كانت عليه الحال في العامين الماضيين. فيما ان خلط الاوراق الذي حصل اخيرا بين المسيحيين وترك مفاعيله على الواقع السياسي وفي التحالفات الداخلية لم يظهر انه ساعد، بل ربما عقد الامور اكثر ليس ربطا بالمصالحة المسيحية، بل بدعم ترشيح العماد عون في وجه ترشيح النائب سليمان فرنجية.
بات من الملح ان يبتكر الافرقاء المسيحيون او يحاولوا ابتكار مخرج لهم وللرئاسة التي ينبغي ان تعنيهم اكثر من غيرهم. قبل ايام كان لافتا ما قاله النائب سليمان فرنجية لـ”النهار” من ان العماد عون وحده كان يمكن ان يؤثر عليه من اجل سحب ترشيحه، علما أن من واجب ومسؤولية المرشحين الاساسيين للرئاسة راهنا الضغط على حليفهما الشيعي المؤثر اي “حزب الله” وحقهما عليه العمل لانهاء الفراغ الرئاسي، والا فان السؤال سيكون ما معنى قوة كل منهما كرئيس قوي بحيث ان وصول اي منهما حين يحين ذلك يكون قد فقد معناه وزخمه. كما من حق المسيحيين عدم انتظار الاخرين ليقرروا لهم هوية الرئيس المقبل متى كان الامر لا يزال متاحا امامهم لتقويم الامور في ضوء حظوظ الربح والخسارة التي يجب ان تكون غدت واضحة جدا. وتستحق المحافظة على الحضور المسيحي في لبنان وتاليا في المنطقة تقويما منطقيا بعيدا عن المصالح الشخصية المباشرة ومراجعة واقعية وجدية يجب ان تفضي الى تنازلات على مستوى رجالات دولة وتليق بهم.