لا يختلف اثنان على ان علاقة سمير جعجع المكون المسيحي الاقوى في فريق 14 آذار لم تكن يوماً على ما يرام مع المسيحيين في هذا الفريق فمسيحيو 14 آذار لطالما شعروا «بالحسد» من القوات التي تربعت على عرش قلب الحريري وكانت المحظية طوال مرحلة حياة «ثورة الارز» لدى «المستقبل» وحلفائه الاقليميين في السعودية التي لطالما استقبلت جعجع بالشكل والحجم الذي لم تفعله مع غيره وحتى مع النائب وليد جنبلاط وبعض رموز 14 آذار. ولا يختلف اثنان ايضاً على اعتبار ان المسيحيين في 14 آذار يخشون جعجع وقد اصابتهم «ورقة النوايا» مع التيار الوطني الحر في الصميم لأنها ستشكل في حال سار جعجع بالخيار الرئاسي مع عون ضربة موجعة ستؤدي الى اقصائهم في الانتخابات النيابية المقبلة.
تداعيات ترشيح النائب سليمان فرنجيه على جعجع كما ترى اوساط سياسية مسيحية جاءت اقوى من التداعيات على عون الذي احتضنه حزب الله بقوة معلناً الالتزام الاخلاقي معه، الا ان الصدمة فاقت استيعاب القوات لأن فرنجية هو الخصم التاريخي لمعراب الذي لم يتصالح معه منذ 37 عاماً، كما ان ترشيح فرنجيه يعتبر نكثاً بالوعد السياسي والتحالف القائم مع معراب التي لم تخطىء يوما مع الحليف الأزرق سواء في القانون الارثوذكسي او الاستحقاقات السابقة وحتى في اعلان النيات مع الرابية. ورغم ذلك فان جزءاً من هؤلاء المسيحيين يقفون اليوم ضد تيار المستقبل في مسألة ترشيح فرنجية وترى بعضهم كما تقول الاوساط يدافعون عن لجوء جعجع الى ترشيح ميشال عون رداً على خطوة الحريري، وهذا ما ينقل من تسريبات عن اجتماعات 14 آذارالتي يبدي فيها مسؤولو المستقبل تشدداً وتهجماً على خطوة جعجع بترشيح عون مقابل تبرير من مسيحيي 14 آذار لموقف القوات التي وجدت نفسها تسير مرغمة في هذا القرار لان حليفها الأزرق كان السباق بمبادرته الرئاسية التي تجاوزت الخطوط الحمراء معها، وهي وجدت نفسها في موقع الحشر بعد التسوية الباريسية وحيث ان الحريري كان سيعلن الترشيح ويسير به فيما لو تأمن الغطاء الاقليمي له بدون مراجعة احد او الوقوف على خاطره.
بات بحكم المؤكد ان الامور لم تعد تشبه نفسها بين الحليفين السابقين وبدا ذلك واضحاً في كلام وزير الداخلية باستمرار المستقبل في ترشيح فرنجية مما يعني حسب الاوساط ان الامور تأخذ منحى التباعد والافتراق بين الحليفين وان نظرية التحالف بين القوات والرابية قد تصبح سارية رئاسياً ونيابياً ونقابياً بعدما اصبحت الامور بحكم المنتهية بين الرابية ومعراب. ترشيح عون من قبل جعجع ليس امراً عادياً، واذا كان عون سيكسب خصم الامس داعماً له في الرئاسة فان المؤكد ان جعجع سيكون امام خيارات مصيرية بعكس الرابية التي ستقطف ثمار هذا التأييد، فهو سيكسب التأييد المسيحي وسيحصل على العفو عما مضى على الساحة المسيحية فتربح معراب مسيحياً ويكسب عون رئاسياً، الا ان جعجع سوف يخسر الشارع السني في حين سيبقى عون محافظاً على تحالفه مع حزب الله وتفاهمه مع حارة حريك الطويل الأمد.
وفي مطلق الاحوال فالواضح ان العلاقة بين المستقبل ومعراب تسير نحو الانحدار الافقي بحسب الاوساط المسيحية، فحليفا الامس لم يعودا نفسهما، فتيار المستقبل يرى اليوم ان على معراب ان تكون نفسها معراب الامس التي رفضت ان تسير بالقانون الارثوذكسي كرمى لعيون حليفها وان على معراب ان تفهم حيثيات ترشيح فرنجية بان المستقبل والسعودية يرفضان ميشال عون ويضعان «الفيتو» الابدي على ترشيحه، في حين تتمسك معراب بالنظرية نفسها بالمقلوب، فسمير جعجع لا يمكن ان يهضم ترشيح خصمه السياسي والتاريخي، وعليه فان الامور وصلت بين الحليفين الى طريق الافتراق اذ ان القوات بدون شك تسير نحو ان تكمل مشوار اعلان النيات مع الرابية انتخابياً وبلدياً ورئاسياً فيما يسير المستقبل بمن اختاره رئيساً من قلب فريق 8 آذار ليكمل معركته الرئاسية.
في كل الاحوال فان ما يتسرب من شائعات ومواقف من داخل فريق 14 آذار يوحي بأزمة هذا الفريق وتباينات اركانه في مقاربة مسألة ترشيح جعجع لميشال عون، فما يصدر عن تيار المستقبل يوحي بتخطي الحواجز المرسومة مع معراب، والمفارقة ان ثمة من يغفر لجعجع خطايا ترشيح عون اذا حصل والذي يأتي بمرتبة ردة الفعل.