الرئيس رجب طيب أردوغان يبدو ذاهباً الى النهاية في توظيف المحاولة الانقلابية الفاشلة التي رآها هدية من السماء. ولا أحد يعرف ان كانت الاجراءات البوليسية الواسعة لجهة الاعتقالات والتسريح والتوقيف عن العمل ستقتصر على أنصار الداعية الاسلامي فتح الله غولن أو تمتد لتشمل كل خصوم أردوغان. فالخلاف مع الحليف السابق وصل الى حدوده القصوى، بحيث فتحت جريمة الانقلاب فرصة الانتقال من العزل بالتقسيط لجماعة غولن الى التطهير الكامل دفعة واحدة، على طريقة اجتثاث البعث في العراق بعد الغزو الأميركي. والأعداد الكبيرة التي تعرّضت للاجراءات وتجاوزت الخمسين ألفاً في الجيش والشرطة والمخابرات والادارة والقضاء والجامعات، تؤكد أن غولن كان شريك العدالة والتنمية في السلطة وفي كسر شوكة العلمانيين في الجيش بما سمح له باقامة ما تسميه السلطة اليوم الكيان الموازي.
لكن الكل يعرف ان ما يريده أردوغان أكثر مما يستطيعه، وما هو قادر على فعله يمكن أن يقود الى نتائج عكسية في الداخل على المدى المتوسط، ومرشح للاصطدام بحسابات ومواقف خارجية مهمة. فالرفض الشعبي الكامل للانقلاب ولفكرة الانقلابات العسكرية في القرن الحادي والعشرين ليس قبولاَ ضمنياً بانقلاب سياسي سلطوي لتحقيق أحلام سلطانية، والإنقلاب العسكري الفاشل، حسب الكاتب ليفينت غولناكين في صحيفة ديكان التركية، هو انقلاب ضد تركيا، لا ضد الديمقراطية، لأننا لسنا في ديمقراطية لكي يطيح بها انقلابيون، والخاسر الأكبر هو مَن يأمل في تغيير ينقلنا الى الديمقراطية ويفتح عصر المصالحة والسلام والطمأنينة.
وإذا كانت الإنقلابات الفاشلة، مثل الإنقلابات الناجحة، لها تأثير كبير على سياسات البلدان الأمنية والخارجية، كما يقول رئيس مركز ايدام للدراسات في اسطنبول سنيان اولجين، فإن السؤال عن القرارات الداخلية المتعلقة بالأمن في اجتماع مجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي برئاسة اردوغان يقود الى السؤال عن المتغيرات المحتملة في السياسة الخارجية. فليس أمراً عادياً التصرّف في المنطقة عبر ردود الفعل على الإنقلاب الفاشل كأن اردوغان زعيم السنّة وكبير الإخوان المسلمين. ولا بالطبع اللجوء في دولة علمانية الى تكفير الإنقلابيين.
الواقع ان الديمقراطية لم تصاحب العلمانية التي فرضها مصطفى كمال اتاتورك وجعل الجيش حارساً لها. وما قيل عن الديمقراطية التي اضافها حزب العدالة والتنمية الى العلمانية التي حكم في ظلها كان شعاراً مخادعاً لحزب اسلامي أرادت أميركا وأوروبا الإنخداع الذاتي وخداعنا به. وإذا أكمل اردوغان الطريق الذي يسير فيه، فإن السؤال هو متى يسرّح اتاتورك من الخدمة وينهي جمهوريته وتراث الكمالية لتكتمل جمهورية اردوغان؟.