IMLebanon

.. عندما «يتوقع» أوباما!

يحمل تذكير باراك أوباما الروس بأفغانستان في سياق جداله العلني المفتوح مع فلاديمير بوتين، إشارة معاكسة (وخطيرة) لكل المساعي التي تبذل تحت عنوان الوصول إلى حل سياسي للنكبة السورية.

ومع أن أوباما لا يزال يتصرّف وكأنه محلل سياسي وليس رئيس أكبر دولة في هذا العالم، فإن كلامه الاستشرافي التحذيري عن مصير لروسيا في سوريا شبيه بمصير الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، يعني بوضوح أن لديه ما يكفي من معطيات ومعلومات عن نيّات بوتين أو خططه في النكبة السورية.

أي أن أوباما «يُعلن» للعالم أجمع، أن زعيم الكرملين يتجه الى التورط الميداني في سوريا ولن يكتفي بالقصف الجوي عن بُعد. وأن ذلك القصف المستمر منذ نحو شهرين ليس سوى التمهيد العسكري التقليدي لإرسال المشاة على الأرض، وأن كل الكلام عن محاربة «الإرهاب» والدخول في سياقات البحث عن «حل سياسي» ليس سوى عملية بلف من أولها الى آخرها!

وذلك يعني استطراداً، أن موسكو تتصرف فعليًّا وفق أجندة «سوريا النظيفة« الشهيرة التي سبق الحديث عنها مراراً، والتي تشتمل على المنطقة الممتدة من دمشق إلى الساحل الشمالي وتضم في نطاقها كل الحزام الغربي المحاذي للحدود اللبنانية.

أطلق الإيرانيون، من خلال معارك «حزب الله» في القلمون، وقبلها في القصير، وبعدها في الزبداني، وما رافق ذلك من طروح تبادلية للسكان، أو من بقي منهم ولم يُهجّر أو يُقتل.. أُولى الإشارات العملية إلى ذلك الخيار التقسيمي في ضوء اكتمال القناعة بالعجز عن إعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل الثورة، واستحالة القدرة على استعادة المناطق التي خسرها المحور الأسدي على مدى السنوات الماضية. ولكن الكلفة الباهظة، بشريًّا في الدرجة الأولى، التي تكبّدها ذلك المحور بما فيه من قوات أسدية و»خبراء» و»مستشارين» إيرانيين وميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية، ثم استمرار الزخم المضاد من قبل المعارضة وصولاً الى تبلور فعلي وجدي لاحتمال انهيار تام لبقايا السلطة في دمشق وانطلاقاً منها. ذلك كله دفع إلى الاستعانة بالروس.. وهم الحاضرون والجاهزون «ذهنياً» وسياسياً وعسكرياً تبعاً للأجندة الإحيائية التي يحملها «قائدهم المجيد» بوتين!

ما هو واضح وموضع إجماع، بعيداً من الفذلكات التعبوية، هو أن «عاصفة السوخوي» فشلت حتى الآن في تأمين أي مكسب كبير ميدانياً وسياسياً لكنها نجحت في وقف الانحدار الأسدي، وذلك ولّد «تطوراً» في بعض قناعات بوتين ودفعته إلى دقّ أبواب المناورات السياسية وفتحها على مداها بالتزامن مع استمراره في العمل العسكري وفق الأجندة الأصلية الذاهبة إلى «سوريا النظيفة».

خطورة كلام أوباما تكمن في أنه يكشف عن تلك الازدواجية الروسية لكنه يتعامل معها وكأنه ذلك المحلل السياسي المسرور باكتشافه وليس أكثر من ذلك! بحيث إنه «يتوقّع» أن يغيّر بوتين رأيه بعد بضعة أشهر ويصل إلى «قناعة» بضرورة التخلي عن دعمه للسلطة الأسدية.. أي أنه يقول بالفم الملآن إنه لا يزال يعتمد تلك الانتهازية غير الأخلاقية التي سبق واعتمدها على حساب السوريين ودمائهم وأرزاقهم ونكبتهم، من خلال التفرّج على استنزاف الروس في سوريا مثلما سبق وتفرّج على استنزاف الإيرانيين وغير الإيرانيين فيها!

وذلك في المحصلة يوصل من جديد الى تلك القناعة القائلة بأن الاستراتيجية الانكفائية الأوبامية في المنطقة والعالم ربما تكون أسوأ ما أصاب ويصيب البشرية في الألفية الثالثة: تدلّ في ظاهرها على رغبة في الهروب من حروب صغيرة لكنها في عمقها تُعيد إحياء كل مقومات الحرب الباردة، وهذه المرة من دون ضوابط تلك الحرب خصوصاً، مع وجود مشروعين إحيائيين قوميين كبيرين. واحد يقوده من يعتبر نفسه ظلّ الله على الأرض، وآخر يقوده من يجد في نفسه قدرة على إحياء العظام وهي رميم.. وقيصراً ولا كل القياصرة!