IMLebanon

عندما «يُنصِّب» حزب الله نفسه مدافعاً.. عن «طائفٍه»

لم يكتفِ «حزب الله« بإعطاء اللبنانيين، على مدى سنوات طويلة، دروساً خاصة بمقاومة الارهاب «الصهيوني والتكفيري والعربي»، بل توسّعت نشاطاته «الوطنية» لتشمل هذه المرة اتفاق الطائف وكيفية تطبيق بنوده وعدم الانقلاب عليه، وأصول مكافحة الفساد في المؤسّسات العامة !

«إن حزب المستقبل الذي انتهك اتفاق الطائف وانقلب على ثوابت ومبادئ هذا الاتفاق وعلى الاصلاحات السياسية التي قررها والعلاقات التي أرساها، هو المسؤول عن خطف الاستحقاق الرئاسي وعن الشلل الذي اصاب المؤسسات الدستورية وعن الفساد الذي تفشى في مختلف مرافق البلاد. وإن إلقاءه المسؤولية على غيره هو تهرب من المراجعة الذاتية التي نصرّ عليها من أجل إنقاذ الوطن والاستحقاق الرئاسي فيه»، يقول عضو كتلة «الوفاء للمقاومة« النائب حسن فضل الله خلال إعلانه مقررات الاجتماع الاسبوعي لتكتله النيابي !

كلام فضل الله يتوافق مع المثل العربي القائل «رمتني بدائها وانسلّت». مثل قديم يُضرب بمن يُعيّر غيره بعيبٍ هو فيه، ويلقي عيبه على الآخرين ليُبعد التهمة عنه. طبّقت كتلة «الوفاء للمقاومة» هذا المثل بالحرف. فخرج فضل الله، المُصاب وحزبه بمرض «الطائف»، ليرمي بعوارض دائه على تيار «المستقبل« وجميع المؤمنين بهذا الاتفاق.. وانْسَلّ، ، والانسلال هنا لا يعني الهرب، بل التهرّب من حقيقة معاناة «حزب الله« من اتفاق الطائف، وإسقاط تهمة التملّص منه على الغير، محاولاً تبرير ما لا يمكن ان يُبرّر.

لـ»حزب الله« قصة طويلة مع اتفاق «الطائف» وبنوده، بدأت في العام 2005، عندما حاول الحزب وراثة مهمة الجيش السوري في لبنان، والذي كان يحكم البلد، والقسم الاكبر من اللبنانيين كان يقبل بهذا الحكم لاسباب معروفة للجميع. في اطار سعيه الى السيطرة على القرار السياسي اللبناني، تيمّناً بسلفه السوري، سعى حزب الله الى تطبيق بنود من «الطائف» بما يخدم مصالحه، والى ملء الثغرات الدستورية بما يليق بمقاسه. اما من يعترض على ذلك، فهو يهدّد «السلم الاهلي» ويعرّض الاتفاق للخطر. لم يكن النائب فضل الله أول من «رمى بدائه وانسلّ»، ولن يكون الاخير. فزميله في الكتلة النائب نواف الموسوي على سبيل المثال لا الحصر، وفي فترة تشكيل الحكومتين الاخيرتين، قال انه «على اي حكومة تتشكّل ان تراعي المبادئ والقواعد الدستورية التي جرى الاتفاق عليها في الطائف.. وذلك لضمان العيش المشترك». والمقصود هنا، «إما أن توافقوا على بيان وزاري يتضمن ثلاثية حزب الله الذهبية، وإما فأنتم تعرّضون الطائف والسلم الاهلي للخطر»! هكذا يكون «حزب الله« قد حاول، امام الله واللبنانيين، حماية الدستور والطائف. واذا لم تلتزم قوى «14 آذار» بـ»طائِفِهِ»، فلا مشكلة لديه من الذهاب الى الخطة «ب» التي أعلنها نصرالله بشكل واضح وصريح :»يا جماعة الخير، ادعوكم الى مؤتمر تأسيسي. ألا نستأهل نحن كلبنانيين ذلك قبل ان نصل الى المدافع»؟! (خطاب بتاريخ 1-6-2012).

ومن ثم يوكل «حزب الله« مهمة السير في ضرب الطائف، في اطار تقسيم الادوار «الوطنية»، الى بعض حلفائه. فالنائب ميشال عون، اعتبر مراراً ان «بقاء الجمهورية مرتبط بانتخاب رئيس قوي ذي حيثية شعبية ونيابية، واذا لم يتحقق هذا الامر فالأفضل البحث في صيغة جديدة في ظلّ الخلل المستمر في تطبيق الطائف». فإما أن يكون عون رئيساً او يصبح الطائف في خبر كان، فيضطر اللبنانيون عندها للذهاب الى الخطة «ب».. «المؤتمر التأسيسي». 

هكذا اتّهمت كتلة الوفاء للمقاومة على لسان النائب فضل الله، تيار «المستقبل« بـ»انتهاك الطائف والانقلاب على ثوابت ومبادئ الاتفاق، وخطف الاستحقاق الرئاسي«.

لكن لا ضير من تنشيط ذاكرة فضل الله وكتلته بتاريخ انقلابات «حزب الله« على الدستور والحوارات والاتفاقات وميثاق «العيش المشترك». نسي فضل الله انقلاب «حزب الله« على مقررات الحوارات، منذ العام 2006، عندما نسف كافة تعهداته في ما يتعلق بالمحكمة الدولية والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وعندما مزّق «اعلان بعبدا» عام 2012 بعد أن جاء امر الولي الفقيه بالتدخل في سوريا لإنقاذ الاسد. نسي فضل الله انتهاك حزب الله لصيغة «العيش المشترك» يوم غزا بيروت في السابع من ايار عام 2008 بهدف تغيير المعادلات السياسية، ويوم نشر قمصانه السود صبيحة الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة في كانون الثاني عام 2011 ليعمد الى تغيير المعادلة ويفرض رئيسا للحكومة بقوة الامر الواقع. نسيت كتلة «الوفاء للمقاومة« أنها لم تكتفِ بمقاطعة كافة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية فحسب، بل حاولت الاطاحة بالدستور من خلال محاولة فرضها لبدعة التوافق على الرئيس الذي تريد !

عضو كتلة «المستقبل« النائب سمير الجسر اعرب لـ»المستقبل» عن اسفه وتفاجئه من الجرأة على اتهام الآخرين بأشياء تدينهم، متسائلاً: «كيف يمكن اتهام تيار المستقبل الذي حضر كافة جلسات انتخاب الرئيس، ولم يضع شروطاً على اي مرشّح، بأنه هو من يعطّل الانتخابات؟«.

وأكد الجسر ان «تيار المستقبل يطبق اتفاق الطائف نصاً وروحاً ويدعو دائماً الى استكمال تطبيق بنوده». واعطى مثلاً بسيطاً «لتذكير الحريصين على الطائف بأن هذا الاتفاق نصّ على انتشار الجيش اللبناني على كافة الاراضي اللبنانية، وكان هناك من يعوق انتشاره جنوباً قبل العام 2006«

ويتابع فضل الله إلقاء بيان تكتله النيابي، محملاً تيار «المستقبل« مسؤولية «الفساد الذي انتشر في مختلف مرافق البلاد». يُحسب لفضل الله امتلاكه القدرة على القفز فوق الحقائق التي لا تخفى على احد. من فضيحة تصنيع الكبتاغون والسيطرة على مطار رفيق الحريري الدولي ومرفأ بيروت لتهريب كل ما هو مجهول من لبنان وإليه، الى ملف اللحوم الفاسدة وفضيحة الادوية المزورة المتهم فيها شقيق احد وزراء حزب الله، مروراً بـ»تقديس» كوادره الـ5 المتورطين في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً الى ملف عملاء اسرائيل وما بعد بعد العميل شوربة. 

وفي اطار الحديث عن الفساد في مؤسسات الدولة، ذكّر الجسر «حزب الله« بأن «تيار المستقبل قدّم الى البرلمان في عهد حكومة السنيورة مشروع قرار يطالب فيه باستخدام شركات عالمية لتدقيق حسابات الجمهورية اللبنانية منذ اتفاق الطائف حتى يومنا هذا«، مطالباً الحزب «بتمرير هذا القانون لنرى حقيقة من هو الفاسد». 

اذا كانت كتلة «الوفاء للمقاومة» حريصة بالفعل على تطبيق اتفاق الطائف، فلينزل نوابها الى البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية، وليعد «حزب الله« الى طاولة الحوار اللبنانية لإقرار استراتيجية دفاعية تعمل على نزع سلاح الميليشيات التي حالت دون تنفيذ اتفاق الطائف، وعلى وضع قرار السلم والحرب في يد الدولة اللبنانية، وليتوقف عن جرّ لبنان الى حروب وويلات لا ناقة للبنانيين فيها ولا جمل، والاهم أن يعالج داءه والّا ينسَلّ!