مرَّ يوم أمس كسوابقه… لم يكتمل عقد نصاب جلسة مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، فأرجأ الرئيس نبيه بري – المفجوع بالتطورات النفطية بين «إسرائيل» وقبرص واليونان – الجلسة الى السابع من كانون الثاني المقبل – وهو لا يملك بين يديه أية ورقة سوى رفع العتب و«اللهم اشهد أني قد بلّغت»؟!
لم يكن أحد يتوقع ان تحدث مفاجأة – معجزة أمس… وليس من أحد يتوقع ان يكون الموعد الجديد، في مطلع العام الجديد، يحمل جديداً يميزه عن المحاولات السابقة التي انتهت الى ان يدخل لبنان يومه الواحد بعد المئتين من دون رئيس للجمهورية، ولا أحد يرف له جفن عين، ويتهيب الموقف مع التطورات البالغة الخطورة التي حطت على لبنان وباتت تزنره من كل الجهات…
يتمترس أطراف الأزمة الأساسيون كل خلف جدار مواقفه… لا تراجع، لا مساومة، لا تبديل، و«الحوار الموعود» موقوف على تطورات ما، مع فارق ان قوى 14 آذار، وتحديداً «القوات اللبنانية» أحدثت ثقباً صغيراً في جدار الازمة باعلان المرشح الرئاسي سمير جعجع استعداده للانسحاب، ان توفرت الشروط البديلة… لكن أفرقاء 8 آذار، وتحديداً الثنائي «حزب الله» و«التيار الحر» لم يظهروا تجاوباً مع سائر الدعوات التي خلصت الى ان «لا فرصة لجعجع، ولا فرصة لعون في الوصول الى قصر بعبدا، على رغم ان الجميع يسلم بأن الفريقين غير قادرين على الوصول الى هدفهما…»
بصرف النظر عما يقال، ويتردد في الأوساط السياسية، وعلى نحو مسموع، بأن «كلمة السر» الدولية – الاقليمية لم تصل بعد… فإن أحداً لا يستطيع ان يدير ظهره لبعض «القلق الدولي» جراء الوضع في لبنان، والذي جرى التعبير عنه في الأيام الأخيرة، بكثافة الموفدين الذين حضروا الى لبنان، وهم يغسلون أياديهم من اية ايحاءات سوى تقديم «النصح والارشاد»: «انجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت ممكن». و«النأي بالنفس عن تداعيات الأحداث السورية، والتي صارت في صميم اللعبة اللبنانية…».
يتمسك النائب وليد جنبلاط، بالنائب هنري حلو، مرشحاً ثالثاً، وهو يعرف بأن لا حظوظ للنائب حلو في ذلك، لكنه لن يغيّر موقفه ويوفر لأي من الفريقين الأساسيين عدداً إضافياً من الأصوات… فسيد المختارة – الذي دخل على ملف المخطوفين العسكريين بطريقة لافتة – مدعوماً من الرئيس نبيه بري، لا يريد ان يفقد دوره كـ«بيضة القبان»، وهو يمسك العصا من الوسط ولا يظهر أي تبرم…
من الواضح ان «زنقة» «حزب الله»، المتعددة العناوين المحلية والاقليمية والعربية، كما الدولية، تجعله أكثر ارتياحاً في التمسك بورقة حليفه (الجنرال السابق) النائب ميشال عون، وهو يرفض أي مقايضة لا تكون الكلمة الأولى والنهائية لشريكه البرتقالي، خشية ان يأتي الى الحوار فارغ اليدين، في ملف بات من أكثر الملفات السياسية تعقيداً، واثارة للقلق على البلد، كيانا ودولة، ونظاماً سياسياً، على ما تجزم في ذلك بكركي ومن يسير في ركبها في الداخل وفي الخارج…
واللافت، ان ما أنتجته الأيام والتطورات الأخيرة، عزز من قناعة الجنرال عون بأن انسحابه، او التماهي مع الدعوات الصادرة عن الصرح البطريركي، لن توفر حصانة كافية خصوصاً وان المطلوب بالنسبة اليه، بات أبعد كثيراً من مجرد انجاز انتخاب رئيس للجمهورية بالصلاحيات التي رسا عليها «اتفاق الطائف»… ليخلص الى دعوة مبطنة «لمؤتمر تأسيسي» تحت عنوان: «الاستعداد للتفاوض حول الجمهورية مع أي كان وإلا فأنا مستمر في المعركة…» على ما قال أول من أمس…
لا يحتاج الأمر الى كثير من العناء ليدرك ان ما آلت اليه تطورات الجنرال عون، ولاقاه فيها أمس الدكتور جعجع، أبعد من مجرد ملء الشغور في سدة رئاسة الجمهورية… والعناوين التي يراها فريق البرتقاليين، أساساً للحوار حول «الجمهورية»، يمكن ايجازها بالتالي:
1- اعادة النظر بصلاحيات رئيس الجمهورية…
2- وفي اقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، يحرر إرادة الناخب المسيحي…
3- وفي إقامة «لا مركزية ادارية وانمائية» موسعة.
الواضح الى الآن، ان الجنرال عون، كما سائر الآخرين، لم يتمكنوا من ان يحرزوا تقدما يذكر على صعيد التواصل الايجابي مع الموفدين الدوليين، الذي ما ان تقلع طائرة أحدهما ذهابا، حتى تحط طائرة الآخر… وذلك على رغم قناعة الجميع بأن لبنان يمر بأوقات صعبة، سواء على صعيد التحديات الأمنية، خصوصاً على امتداد الحدود البرية مع سوريا، ومع الكيان الاسرائيلي، بسبب تداعيات الازمة في سوريا، وبسبب التحديات التي يتسبب بها المتطرفون علىأراضيه… على ما أكدت ذلك ممثلة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، بعد لقاء مع الرئيس تمام سلام… التي شددت على أهمية «ان تعاود المؤسسات اللبنانية عملها بالكامل بانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا أمر لبناني تعول عليه أوروبا…»؟! من غير ان تنسى ان أوروبا «تقدم كل الدعم للحصول على اتفاق لتحقيق العملية الانتخابية وانتخاب رئيس للجمهورية…» لكنها لم تقل أين ومتى وكيف؟