حكم «العسكرية» نزهة في ميدان العدالة
عندما يعطى جرم سماحة «المؤبد» في بريطانيا!
المسافة بين بريطانيا ولبنان لا تُقاس بالكيلومترات إنما بالسنوات هذه المرة حيث أن قاضياً بريطانياً أصدر حكماً بالسجن لمدى الحياة على رجل وزوجته أدينا بتهمة «التخطيط للقيام بأعمال إرهابية» بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لتفجيرات لندن في 7 تموز 2005، على أن لا يتمكنا من الخضوع لجلسة إطلاق سراح مشروط إلا بعد قضاء فترة لا تقل عن 24 سنة بالنسبة للزوجة و27 سنة بالنسبة للزوج.
وثلاثة أسابيع من الاستجوابات أمام المحكمة وثلاثة أيام من التداول بين القضاة كانت كافية للقاضي البريطاني جيريمي بايكر، رئيس محكمة البداية في لندن، لإصدار حكمه على محمد رحمن البريطاني الجنسية وزوجته سارة أحمد خان بالسجن مدى الحياة «لتخطيطهما القيام بأعمال إرهابية تتضمن تفجير عبوات في مراكز عامة«.
وقد ذكرت صحيفة «المايل» على موقعها الالكتروني أن بايكر أصدر حكمه بعد أن وجدت هيئة المحكمة رحمن وزوجته مذنبين بتهمة «التخطيط للقيام بأعمال إرهابية وتصنيع عبوات وتفجيرها في أماكن عامة بغية إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا».
هذا في بريطانيا، أما في لبنان، فبعد سنتين وتسعة أشهر وأربعة أيام من اعتقاله في 9 آب 2012 واستجوابه أمام المحققين ثم إحالته للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية، يُصدر العميد خليل ابراهيم حكماً في 13 أيار 2015 بسجن المجرم ميشال سماحة أربع سنوات ونصف السنة بالتهم نفسها التي أدين بها البريطاني وزوجته.
في لندن، حكم القاضي على المجرم رحمن وزوجته بسبب «نيتهما» تصنيع عبوات وتفجيرها بالسجن مدى الجياة، وفي لبنان يحكم على سماحة بالسجن أربع سنوات ونصف السنة رغم ضبط المتفجرات التي كان ينوي تفجيرها.
في لندن، ترسل الزوجة رسالة إلى القاضي تطلب فيها الرحمة لأنها لم تكن تدرك أن زوجها سيذهب بعيداً في تنفيذ «حلمه الإجرامي»، لكن القاضي رفض تصديقها ووجد أنها مذنبة، وفي بيروت، تستمع المحكمة إلى تسجيلات صوتية ومرئية لسماحة يعترف فيها بأنه «ارتكب غلطة»، فيصدقه القاضي ويحكم عليه بالسجن أربع سنوات ونصف السنة.
واستناداً لموقع الصحيفة الالكتروني فإن سارة، ابنة قاضية سابقة وحائزة على إجازة في اللغة الانكليزية، بعثت برسالة إلى القاضي بايكر قالت فيها: «أنا آسفة جداً لوضع نفسي في هذا الموقف. لم أكن أدرك إلى أي مدى محمد رحمن سيأخذ الأمور. لقد اكتشفت عنه أشياء كثيرة وعن حقيقة شخصيته من خلال هذه القضية وهذه المحاكمة».
وتابعت: «كان عليّ أن ابعد نفسي عنه منذ فترة طويلة، لكن لم أجد القوة لأقوم بذلك في حينها، لكني فعلت الآن وقد أرسلت له قبل بضعة أسابيع رسالة طلاق من زواجي المسلم به».
وقالت: «لن أفعل أي شيء يمكن أن يضعني في مثل هذا الموقف مجدّداً، فتركيزي الوحيد اليوم هو مصالحة عائلتي والانطلاق في حياة جديدة. أرجو قبول اعتذاري».
غير أن بايكر قال أثناء تلاوة حكمه إن سارة نشأت كإنسانة «منفتحة وصادقة ومتسامحة تجاه المذاهب الأخرى. الحقيقة هي أنه لم يكن بالإمكان إكمال التحضيرات التي كان يقوم بها لولا التمويل الذي وفّرته له. لم تكوني على علم بمدى استعداد محمد رحمن للقيام بعمل إرهابي فحسب، بل على علم بطبيعة هذا العمل ومداه».
أما في بيروت، فرغم أن المحكمة العسكرية التي استمعت بالصوت والصورة إلى سماحة خلال استجوابه أمام المحققين بأنه «ارتكب غلطة كبيرة»، ورغم أنه ضبط بالجرم المشهود وهو يحتفظ بالمواد التي نقلها بناء على طلب مشغّليه في دمشق في سيارته، فإن الحكم كان بالسجن أربع سنوات ونصف السنة.
ولا تختلف ظروف قضية رحمن وسماحة بشيء من حيث النية بإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا وذلك استناداً لاعترافات المجرمين «التحضير لتفجير العبوات في أمكنة عامة وإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا»، لكن الذي يختلف على ما يبدو، هو التشدّد في تطبيق القانون في بريطانيا على مجرم استسهل فكرة تحضير عبوات ناسفة وإراقة دماء أبرياء، في حين أن القانون في لبنان «استسهل» فكرة قيام وزير ونائب سابق يتمتع بحماية سياسية إقليمية ضبط بالجرم المشهود أثناء نقله كمية كافية من المتفجرات تغرق البلاد في نهر من الدماء البريئة، فأصدر حكماً بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة، وهي فترة تقل عن الحكم على شاب جامعي يضبط وللمرة الأولى وهو يدخن لفافة من «الحشيش» لا يؤذي بها أحداً بل «يدمي» نفسه.
وفي بريطانيا، قد يستأنف رحمن قضيته أمام محكمة التمييز، لكن أغلب الظن أن الحكم سيبقى نفسه إن لم تشدّد المهلة الأدنى من السجن قبل حق إطلاق السراح المشروط، فلا رحمة مع الإرهاب والإرهابيين، لكن في لبنان، فإن محكمة التمييز التي لا تزال تنظر في استئناف مفوض الحكومة أمام المحكمة العسكرية للحكم الصادر بحق سماحة، ارتأت أن الفترة التي قضاها في السجن كافية، ولا بد من استكمال محاكمته أمامها «حراً» وإن وجدته لاحقاً مذنباً (وهذا غير متوقع) فإنه يكون قد أدّى قسطه للعلى والمجتمع الذي كان ينوي تفجيره.
بين لبنان وبريطانيا أربع ساعات ونصف الساعة من السفر بالطائرة، غير أنه في مجال محاكمة الإرهاب وتطبيق القانون بحق الإرهابيين، فالمسافة تُقاس بين الحرية والسجن المؤبد.